من القاهرة إلى الخليج.. توسّع صناعي مصري بثقل استراتيجي

/توسع صناعي مصري متسارع يقود التكامل الإنتاجي بالخليج

 

عين اخبار الوطن – خاص – الخليج أونلاين

تتحرك الاستثمارات الصناعية المصرية خارج حدودها الإقليمية بوتيرة متسارعة، مدفوعة بإعادة تموضع الشركات الكبرى داخل أسواق الخليج، حيث تتقاطع الحاجة إلى التصنيع المحلي مع سلاسل التوريد الإقليمية ومشاريع البنية التحتية الضخمة.

وفي هذا السياق، تبرز تحركات شركة “السويدي إلكتريك” باعتبارها نموذجاً لتمدد صناعي منظم، ينطلق من القاهرة باتجاه السعودية وقطر، مستنداً إلى استثمارات ثقيلة ورؤية إنتاجية طويلة الأمد.

استثمارات خليجية

وتعكس خطط “السويدي إلكتريك” في السعودية تحوّلاً من الحضور التجاري إلى التمركز الصناعي المباشر، عبر إنشاء مصانع جديدة تستهدف قطاعات الطاقة والكابلات والمكوّنات الكهربائية.

وكشف الرئيس التنفيذي لشركة “السويدي إلكتريك” في السعودية وقطر، أحمد السويدي، أن الشركة خصصت استثمارات تقارب نصف مليار دولار للتوسع الصناعي في دول الخليج خلال الفترة المقبلة، في إطار خطة تستهدف تعميق التصنيع الإقليمي

وأوضح السويدي، خلال مقابلة مع “اقتصاد الشرق” على هامش منتدى الأعمال المصري القطري الذي عقد في القاهرة الشهر الماضي، أن الاستثمارات المخصصة للسعودية تبلغ نحو 1.5 مليار ريال سعودي (400 مليون دولار).

وسيتم توجيه الاستثمارات لإنشاء تسعة مصانع جديدة، من بينها مصنعان في مدينة ينبع؛ الأول لإنتاج الكابلات المتخصصة، والثاني لإنتاج قضبان النحاس، بالشراكة مع شركة “الفنار”، بطاقة إنتاجية تتجاوز 130 ألف طن سنوياً.

وأضاف أن التوسعات تشمل أيضاً إنشاء مصانع في الرياض لإنتاج إكسسوارات الكابلات، والفايبر جلاس، وشواحن الكهرباء، وعدادات المياه، إلى جانب خطط لإنشاء مصنع في الدمام لإنتاج محولات الطاقة، في خطوة تستهدف تغطية الطلب المتنامي في قطاعي الطاقة والبنية التحتية داخل المملكة.

وبحسب السويدي، يبلغ حجم أعمال “السويدي إلكتريك” في السعودية نحو ملياري ريال سعودي (533.2 مليون دولار)، في القطاع الصناعي، إضافة إلى مشاريع تحت التنفيذ في قطاع الهندسة والمقاولات تصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار، ما يعكس ثقل الشركة داخل السوق السعودية، ليس فقط كمُصنّع، بل كمقاول رئيسي في المشاريع الكبرى.

وتُعد “السويدي إلكتريك” أكبر شركة مُدرجة لصناعة الكابلات في العالم العربي، حيث تمتلك عائلة السويدي نحو 68.1% من أسهم الشركة، فيما تستحوذ شركة “إليكترا إنفستمنت هولدينغ” الإماراتية على 20%، بينما تتوزع النسبة المتبقية على صناديق الاستثمار والمحافظ المالية وصغار المستثمرين في بورصة مصر، وفق بيانات الشركات والتصريحات الرسمية.

تموضع قطري

وتسعى “السويدي إلكتريك” إلى ترسيخ حضورها الصناعي في السوق القطرية عبر استثمارات موجّهة تستهدف قطاعات الطاقة والمعادن، مستفيدة من قاعدة تشغيلية قائمة وعلاقات اقتصادية آخذة في التوسع بين القاهرة والدوحة.

وكشف السويدي، أن الشركة خصصت استثمارات بقيمة 250 مليون ريال قطري (67 مليون دولار) لإنشاء مصانع لإنتاج قضبان النحاس، وقضبان الألمنيوم، ومحولات توزيع الطاقة في قطر، موضحاً أن هذه المشاريع لا تزال قيد الدراسة من قبل مجلس الإدارة، مع توقعات ببدء الإنتاج في عام 2027 في حال إقرارها.

وأوضح أن الشركة تتواجد في قطر منذ عام 2004، وتمتلك ثلاث شركات تعمل تحت مظلة مجموعة قابضة تحمل اسم “سنيار لصناعات قطر القابضة”، ما يوفر بنية تشغيلية قائمة تسهّل التوسع الصناعي الجديد، وتقلل من مخاطر الدخول إلى السوق.

 

وبحسب التصريحات، يبلغ حجم أعمال “السويدي إلكتريك” في قطر نحو ملياري ريال قطري (549.3 مليون دولار)، فيما تجاوزت قيمة الصادرات من مصانع الشركة داخل الدولة الخليجية 150 مليون دولار خلال العام الجاري.

وجرى توجيه هذه الصادرات إلى أسواق الخليج العربي، إضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا، ما يعكس توظيف قطر كنقطة انطلاق للتصدير الإقليمي والعابر للقارات.

وأشار السويدي إلى أن الشركة تستهدف رفع صادراتها من قطر خلال العام المقبل بنسبة 30%، في وقت يُصدَّر فيه نحو 25% من إنتاج مصانعها في السعودية، في مؤشر على تنامي الدور التصديري للمنصات الصناعية الخليجية التابعة للمجموعة.

وتأتي هذه الخطط الاستثمارية في سياق أوسع من التقارب الاقتصادي بين قطر ومصر، حيث يبحث البلدان، على هامش منتدى الأعمال المصري القطري المنعقد في القاهرة، توقيع اتفاقية للتجارة الحرة، بما يدعم تدفقات الاستثمار، ويعزز التكامل الصناعي والتجاري بين الجانبين.

دلالات عميقة

ويحمل التوسع الصناعي المصري في أسواق الخليج دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز مفهوم التبادل التجاري التقليدي، ويعكس تحولاً جذرياً نحو التمركز الإنتاجي المباشر داخل الأسواق الخليجية، كما يرى المحلل الاقتصادي ومطور الأعمال، سعيد خليل العبسي.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن هذا التحول يبرهن على وعي متزايد لدى الشركات الصناعية المصرية بضرورة القرب من مراكز الطلب النهائية، مما يستوجب وجوداً ميدانياً لمواكبة هذه النهضة.

ويلفت العبسي إلى أن هذا التوجه يتقاطع بشكل إيجابي مع السياسات الخليجية الرامية لتوطين الصناعة وبناء سلاسل إمداد مستقرة، مما يحول التمركز الصناعي المصري إلى خيار استراتيجي يحقق مصالح الطرفين.

ويبين أن استثمارات “السويدي إلكتريك” تعد نموذجاً تطبيقياً للتكامل الصناعي العربي، كونها لا تقتصر على ضخ رؤوس الأموال فحسب، بل ترتكز على نقل الخبرات التكنولوجية والقدرات التشغيلية، ويحول العلاقة إلى شراكة إنتاجية متكاملة.

ويردف العبسي بأن هذه التجربة تمثل نموذجاً قابلاً للتكرار والتعميم في حال توفرت البيئة الداعمة التي تشمل التمويل طويل الأجل والالتزام بالمعايير الفنية، مشدداً على أن الشركات العربية التي تملك رؤية بعيدة المدى قادرة على المنافسة داخل الخليج كمسار اقتصادي منظم ومستدام.

ويضيف أن التمركز الصناعي المصري يساهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن الصناعي وأمن الطاقة لدول المنطقة، من خلال تقليص الاعتماد على سلاسل الإمداد العالمية البعيدة التي قد تتأثر بالاضطرابات، مما يوفر مورداً صناعياً عربياً موثوقاً داخل الإقليم وبجاهزية عالية.

ويعتقد العبسي أن التكامل الصناعي هو الطريق الأكثر واقعية لتحقيق الأمن الاقتصادي العربي المشترك، وذلك عبر توحيد المزايا النسبية لكل دولة وبناء سلاسل قيمة إقليمية قادرة على المنافسة العالمية وتقليل الانكشاف على الأزمات الخارجية المباغتة.

 

مسار تكاملي

ويعكس إطلاق آلية تشاور اقتصادي جديدة بين مصر ودول الخليج توجهاً مؤسسياً لتحويل الشراكات الاستثمارية إلى مسار تكاملي طويل الأمد، يواكب توسّع المشاريع الصناعية والطاقة في المنطقة.

وأعلن منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي 2025، الذي استضافته القاهرة، إطلاق آلية جديدة للتشاور الاقتصادي بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، تستهدف زيادة التبادل التجاري وتدفقات الاستثمار.

وأشار بيان وزارة الخارجية المصرية، في 13 نوفمبر 2025، أن المنتدى أكّد على أهمية الاستثمار في قطاعات الصناعة، والطاقة التقليدية والمتجددة، والسياحة، والزراعة، والأمن الغذائي، والنقل واللوجستيات، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وشارك في النسخة الأولى من المنتدى أكثر من 900 من المسؤولين والمستثمرين ورجال الأعمال، بينهم نحو 400 مشارك خليجي، بتنظيم مشترك بين وزارة الخارجية المصرية، والأمانة العامة لمجلس التعاون، واتحاد الغرف المصرية، واتحاد الغرف الخليجية، والهيئة العامة للاستثمار.

 

وبحسب ما أُعلن خلال المنتدى، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الخليج نحو 167 مليار دولار خلال الفترة من 2016 إلى 2023، فيما وصلت الاستثمارات الخليجية في مصر إلى نحو 40 مليار دولار في عام 2024، ما يعكس اتساع قاعدة المصالح الاقتصادية بين الجانبين.

وأوصى المنتدى بتعزيز التكامل الصناعي في عدد من القطاعات، من بينها الصناعات الطبية والدوائية، والبتروكيماويات، والمنسوجات، والهيدروجين الأخضر، إلى جانب إطلاق منصة وطنية لتأهيل وتدريب الكوادر المصرية للعمل في دول الخليج، بما يدعم احتياجات أسواق العمل الخليجية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى