“حق الحياة” و”حرية الاختيار”.. الولايات الأميركية تعيش “معركة” حامية الوطيس

 

عين اخبار الوطن –

مع اقتراب “مسيرة الحياة” (March for Life) السنوية التي تستضيفها العاصمة واشنطن، الجمعة، يجد الناشطون المنددون بالإجهاض أسبابا للاحتفال وأخرى للقلق.

وتتضمن المسيرة تجمعا يضم معارضي الإجهاض الذين يأتون إلى العاصمة الأميركية من كافة أرجاء البلاد.

وانطلقت المسيرة لأول مرة في عام 1974، أي بعد عام من إقرار المحكمة الأميركية العليا الإجهاض كحق مشروع، ويعرف القانون باسم “رو ضد وايد”.

ويختلف تجمع هذا العام، الذي يقام بعد 50 عاما من القرار التاريخي، عن غيره بأنه الأول منذ أن أبطلت المحكمة العليا قانون حق الإجهاض عبر البلاد وتركت لكل ولاية خيار إقرار الإجهاض أو حظره، في يونيو الماضي.

ومنذ ذلك الوقت، أقرت 12 ولاية تشريعات واسعة لحظر الإجهاض، في حين تخطط ولايات أخرى لفعل الأمر ذاته.

لكن هذه الخطط أعاقتها بعض التطورات، إذ تعرض المعارضون للإجهاض لهزيمة في استفتاءات أجريت في كانساس وميشيغان وكنتاكي، وفقا لما ذكرته أسوشيتد برس.

وعلّقت محاكم بعض الولايات تمرير حظر الإجهاض، في حين تستمر الجهود لمساعدة النساء في الولايات التي منعته للحصول عليه خارجها أو استخدام حبوب الإجهاض أو تنفيذها شخصيا.

وفي الوضع المقابل، تتخذ ولايات يحكمها ديمقراطيون خطوات لتوسيع الوصول إلى الإجهاض.

وتشبه كارول توبياس، رئيسة “National Right to Life Committee”، والتي تعدأقدم وأكبر منظمة لمعارضة الإجهاض في الولايات المتحدة، الوضع بالفترة التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية، عندما انقسمت الدولة بين الولايات الحرة والمؤيدة للاستعباد.

وتضيف في حديثها لوكالة أسوشيتد برس “إنه وضع يشبه الغرب المتوحش”.

ورجحت توبياس أن يستمر الجدل حول الإجهاض، مضيفة “لكني أعلم أن المنادين بدعم الحياة (معارضي الإجهاض) لن يستسلموا، إنها قضية نعتبرها ضمن الحقوق المدنية”.

ومن المتوقع أن يشارك في مسيرة الجمعة، مدرب كرة القدم الأميركية الشهير، توني دونغهي، والمدعية العامة في ولاية ميسيسيبي، التي نجحت في إبطال قانون “رو” أمام المحكمة العليا، لين فيتش.

وتركز المسيرة على الخطوات التالية “لأميركا ما بعد رو”. وتشير مديرة “March for Life”، جيان مانسيني، إلى أن إبطال قانون “رو” يعد “انتصارا واسعا لحركة المطالبة بالحياة”.

واستدركت بالقول “لكن معركة بناء ثقافة للحياة لم تنته بعد”، منوهة إلى أن المسيرة “ستواصل المطالبة بحقوق من لم يولدوا والسياسات لحمايتهم حتى يصبح الإجهاض أمرا لا يمكن التفكير به”.

ومن المستبعد أن يتم إقرار سياسات على المستوى الفيدرالي، فحتى لو مررها مجلس النواب، ذو الأغلبية الجمهورية، فإن مجلس الشيوخ، ذو الأغلبية الديمقراطية لن يصدق عليها، بالتالي فإن المعارك الأساسية ستشنها الولايات داخليا، وفق تعبير أسوشيتد برس.

كيف تغيرت قوانين الإجهاض بعد قرار المحكمة العليا؟
ومنذ إبطال قانون “رو” في يونيو الماضي، اتخذت كل من ألاباما وأركنساس وأيداهو وكنتاكي ولويزيانا وميسيسيبي وميزوري وأوكلاهوما وساوث داكوتا وتينيسي وتكساس وويست فرجينيا إجراءات لمحاولة حظر الإجهاض بشكل شبه كلي وبعض القضايا معلّقة بشأن هذه الخطط.

وينعدم الإجهاض الاختياري في ويسكونسن، بسبب التبعات القانونية التي قد تواجه العيادات المزودة بالخدمة، وأيضا في نورث داكوتا، حيث انتقلت عيادات الإجهاض إلى مينيسوتا.

وأبطلت محاكم ولايات أوهايو ووايومنغ وإنديانا قرارات الحظر التي تقدّم بها مشرّعوها، في حين لا تزال بعض القضايا معلّقة.

وفي الخامس من يناير الجاري، أبطلت محكمة ساوث كارولاينا العليا قرارا بحظر الإجهاض بعد مرور ستة أسابيع على الحمل، وأشارت إلى أنه يخالف قوانين الولاية الدستورية في ما يتعلق بحق الخصوصية.

وتشير مجموعة الأبحاث “The Guttmacher Institute” المؤيدة للإجهاض، إلى أن النتيجة الكلية تشكل “ساحة قانونية فوضوية تشتت مزودي الخدمات الذي يحاولون توفير الرعاية الطبية، والمرضى الذي يحاولون الحصول عليها”.

وأضافت الموظفتان في المؤسسة، إليزابيث ناش وإيزابيل غوارنيري، في مقال، الأسبوع الماضي، أنه “عندما لا يملك الناس الحق في الوصول إلى الإجهاض داخل ولايتهم، فهم أمام خيار صعب يتمثل بالسفر مسافات طويلة للحصول على الخدمة أو تنفيذها بأنفسهم أو إتمام مراحل حمل غير مرغوب فيه”.

 

ويأمل بعض قادة الحملات المنددة بالإجهاض، أن يتم انتخاب رئيس جمهوري لعام 2024، وأن يتمكن بدوره من إقرار محددات لإجهاض على مستوى الولايات، عوضا أن يكون القرار بين أيدي كل ولاية على حدة.

وتقول ماجوري دانينفيلزر، مديرة “SBA Pro-Life America” المعارضة للإجهاض إن “الأسلوب في الفوز بسباقات الإجهاض الفيدرالية منذ عقد يتمثل بالتالي: المناداة بوضوح بالإجماع على موقفنا بدعم الحياة والتناقض مع الموقف المتشدد للمعارضين الديمقراطيين”.

وتضيف أنها لم تفاجأ بالانقسام الشديد في وجهات النظر بعد إبطال قانون “رو” في يونيو، وترى أن “هذا ما يحصل عندما تستعاد الديمقراطية، ويصبح لنا صوت في الحوار”.

وتوضح “طوال 50 عاما لم يكن لدينا صوت لأن القضاء كان دوما يحجب الرأي العام من التأثير على القانون .. علمنا (منذ إبطال الحكم) أنها لن تكون مواجهة سهلة، فلا أحد من الطرفين مستعد للهزيمة”.

وذكرت أسوشيتد برس أن عدة مسوحات للرأي، منذ يونيو، أظهرت أن معظم الأميركيين يؤيدون حق الإجهاض.

فوفقا لمسح أجراه مركز “NORC لمسوحات الرأي العام”، بالتعاون مع أسوشيتد برس، في يوليو، أكد 53 في المئة من الأميركيين البالغين أنهم يعارضون إبطال قانون “رو” في حين أيد القرار حوالي 30 في المئة.

“ترسيخ للسلطة السياسية”
وتشير البروفيسورة كاثلين سبروس كامينغز، مديرة مركز “Cushwa” للدراسة الكاثوليكية الأميركية بجامعة نوتردام، إلى أن الحركة المناهضة للإجهاض قد تعاني من تصور بين العديد من الأميركيين بأنها أكثر اهتماما بالسيطرة على أجساد النساء أكثر من مساعدتهن على التعامل مع حالات الحمل غير المقصودة.

وتضيف “إن الأمر يتعلق بترسيخ سلطتهم السياسية، أكثر من الأطفال الرضع”.

لكن معارضي الإجهاض يحاولون تغيير تلك الصورة، ففي تكساس على سبيل المثال تحث المجموعات المنددة به المشرّعين على زيادة الإنفاق على الخدمات المقدمة للحوامل، بما يتضمن توسيع نطاق تأمين “Medicaid” الصحي للأمهات.

ووفقا لمنظمة “Texas Right for Life”، كان لقانون تكساس بحظر الإجهاض أثر عميق، حيث أشارت إلى أن 68 عملية سجلت في يوليو من عام 2022، مقارنة بـ 4879 إجراء في يوليو من عام 2021.

لكن المنظمة نوهت إلى أن البيانات قد لا تعكس عمليات الإجهاض غير القانونية والتي لم يتم الإبلاغ عنها، ويعتقد أن العديد من النساء أصبحن يلجأن إلى حبوب الإجهاض التي يمكن إرسالها عبر البريد من خارج البلاد.

وقام تشارلز كاموسي، أستاذ العلوم الإنسانية الطبية في كلية الطب بجامعة كريتون، والذي يعارض الإجهاض، بتحليل الهزائم الانتخابية البارزة التي عانت منها الحركة المعارضة للإجهاض.

ورفض الناخبون في كانساس وكنتاكي التعديلات الدستورية التي كانت ستعلن عدم وجود حق في الإجهاض، في حين وافق ناخبو ميشيغان على تعديل يكرس الحق في الإجهاض ضمن دستور الولاية.

وقال كاموسي لأسوشيتد برس: “لقد خسر المؤيدون للحياة بشكل واضح وسيئ معركة العلاقات العامة منذ يونيو، وقد انعكس هذا في كيفية تصويت الناس”.

ويرى أن مؤيدي الإجهاض أفضل تنظيما وأفضل تمويلا، في حين أن العديد من السياسيين المناهضين للإجهاض إما تجنبوا القضية أو بدوا متطرفين للغاية.

أسوشيتد برس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى