حرب إسرائيل على غزة ولبنان -وقف إطلاق نار ركيك وانعكاساته على الداخل في الجانبين.
أ د / دحان النجار
اشرنا يوم إمس الى ان الاتفاق هدفه الرئيسي إنقاذ الجيش الاسرائيلي من وحل الجنوب اللبناني بعد تراجع اسرائيل عن سقف مطالبها المرتفع من الحرب على لبنان المتمثلة بالقضاء على حزب الله وفرض شروطها الامنية على لبنان واعادة ترتيب الشرق الأوسط.
ثلاثة اشهر من محاولة التوغل في الجنوب اللبناني وبقوة عسكرية كثيفة ومدربة مصحوبة بضربات جويه غير مسبوقة ولم تحقق سوى تقدم بسيط في بعض المناطق لا يتجاوز الستة كيلومترات وهو تواجد مهزوز وغير ثابت سيكون عرضة لحرب الاستنزاف التي عانت منها اسرائيل في كل احتلالاتها السابقة. اكثر من شهر مثلا على محاصرة بلدة الخيام بعدة ألوية عسكرية عالية التدريب ولم تتمكن من دخولها سوى بعض اطرافها والعودة إلى الوراء، والقرى التي دخلها الجيش الاسرائيلي كان قد حولها الى رماد ومع ذلك المقاومة مستمره الأمر الذي دفعه إلى سحب بعض واحدته يوم امس من مشارف بعض البلدات قبل ان يتم الإعلان عن هذا الاتفاق.
خطاب نتنياهو الموجه إلى الداخل كان متخبطا ويفسر بعض بنود الاتفاق من طرف واحد لتطمين الداخل والدليل على ذلك بانه عندما قال بما معناه إذا استمر حزب الله في الاعتداء على إسرائيل فسيتم الرد عليه بقوة وهذا امر طبيعي وقائم الان ولا يحتاج إلى تأكيد او اتفاق لان الحرب قائمة على هذا الاساس. نتنياهو برر للداخل الإسرائيلي قبولة بالاتفاق بما معناه من اجل اعطاء جيشه فرصة لاعادة ترتيب نفسه والتفرغ لمواجهة ايران مباشرة وكذلك انجاز المهمة في غزة وهي إشارةً الى تحقيق هدفه في فصل المسار بين غزة وحزب الله .
منذ الثاني من اكتوبر الماضي أطلق حزب الله اكثر من ٢٢ الف صاروخ ومسيرة إلى الداخل الإسرائيلي الامر الذي دفع بالجهات الامنية والعسكرية بان توصي حكومة نتنياهو بعقد اتفاق وقف اطلاق النار . هناك ايضا سبب آخر من وراء الكواليس وهي ادارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب التي اوحت بضرورة وضع حد للحرب مع لبنان قبل دخولها البيت الأبيض .
ونعود إلى كلمة نتنياهو التي اراد تصويرها بانها خطاب النصر وهي ليست كذلك بل خضوع للميدان مع انه حقق بعض اهدافه بالفعل ومن اهمها تقليص قوة حزب الله في قياداته وتدمير جزء من مخزونه العسكري وتدمير المدن والقرى التي تمثل حاضنة شعبية له وهي الحالة الأكثر ايلاما . ايضا هذه الحرب واتفاق وقف إطلاق النار الحالي الهدف منه وضع حزب الله في مواجهة مع الداخل اللبناني الذي بدأت بعض أطرافه كالمعتاد بالتململ بل والمناهضة له بما فيها اطراف في الحكومة المؤقتة التي ترى بان حزب الله اختطف الدولة بواسطة الثلث المعطل وباسم المقاومة وان الفرصة سانحة الان وتحت ضغط الحرب لفرض معادلة داخلية جديدة عليه.
نتنياهو يعلن بانه بموجب الاتفاق لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ومهاجمة حزب الله متى ما رأت خطرا عليها والحقيقة ان الاتفاق يظمن ذلك للطرفين ولا يتظمن الاتفاق نشر قوات عسكرية أمريكية في الجنوب اللبناني للإشراف على تطبيق الاتفاق بل أوكلت المهمة للجيش اللبناني الذي سيكون وجها لوجه في المواجهة مع حزب الله وهي عملية ملغومة يُراد منها نقل الصراع الى الداخل اللبناني لانه سيتم الضغط على الجيش اللبناني ودفعه إلى مواجهة قوات الحزب نيابة عن القوات الأجنبية المزعومة واسرائيل وعلى ضؤ تعامل الجيش مع قوات الحزب سيتوقف نجاح هذا الاتفاق. الجهات المشرفة الخمس الولايات المتحدة وفرنسا واليونيفيل ولبنان واسرائيل جهة مطاطة ولا يمكن التوقع بأدائها بدون آلية منظمة لذلك تتكون من كل الأطراف.
نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله في مقابلة مع الجزيرة يوم امس حذر الحكومة اللبنانية من الوقوع في الموافقة على بعض بنود الاتفاق الغامضة التي تخرج عن اطار المسودة المتفق عليها مع الحزب وهي اشارة واضحة إلى ان هناك اطراف في الحكومة اللبنانية المؤقتة تدفع بالاتفاق حتى لو تجاوز شروط حزب الله من اجل الموافقة عليه. في الايام القادمة سوف نسمع كثير من الأصوات اللبنانية التي تطالب بتسليم الحزب لاسلحته إلى الدولة اللبنانية وهو لن يقدم على خطوة رفضها في الماضي دون ضمانات امنية ومنها ضمان الدفاع عن السيادة اللبنانية اولا فاذا قبل تسليم أسلحته بدون الترتيبات التي كان يشترطها واستحال تحقيقها في الماضي فهذا يعني القبول بالهزيمة على مستوى الداخل اولا ولا اعتقد انه سيقبل بهكذا حال وهنا نرى كيف سيتم التفاهم اللباني الداخلي وهل سيتمكن اللبنانيون من تجنب التفجير الداخلي الذي يُراد لهم ان يحصل؟
عندما اريد للجيش اللبناني ان يراقب انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني أُريد بذلك وضع الحزب والجيش في مواجهة مباشرة يتم فيها الضغط على الجيش من قبل الهيئة الخماسية من اجل تنفيذ هذه المهمة الصعبة والتي ستكون فيها الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي.
اسرائيل ليست باحسن حال داخليا من حزب الله فهناك التيار المتشدد يرى بان وقف اطلاق النار بهذه الشروط لم يحقق ما هدفت اليه الحرب من تفكيك حزب الله وفرض واقع جديد على لبنان وبالتالي تغيير المنطقة. قد يمكن تتعرض الحكومة الائتلافية للتفكك.
التفسيرات المختلفة للاتفاق من قبل الجانبين يشير إلى اختلاف الاهداف لديهما من هذا الاتفاق وكل يفسر بعض بنوده كما يحلو له ولكي يقنع جمهوره بانه انتصر وهذه ظاهرة طبيعية ترافق كل اتفاقيات وقف إطلاق النار بين المتحاربين الذين فشلوا في تحقيق نصر حاسم على بعضهما البعض وفرض اتفاقية استسلام على الطرف المهزوم من قبل الطرف المنتصر.
والحقيقة ان هذا الاتفاق عكس ميزان القوى على الارض فلا اسرائيل حصلت عل كل ما تريد والذي عجزت عنه في ارض المعركة وبالذات المعركة البرية ولا حزب الله ظل عند موقفه الرادع والمساند لانه تعرض لضربات موجعه ويعاني من ضغط داخلي جعله يحارب على جبهتين. ولا استبعد ان تكون الدبلوماسية الخفية قد لعبت دورها بين الولايات المتحدة الراعي لإسرائيل وايران الراعي لحزب الله حول تفاهمات اقليمية تحفظ حقوق الطرفين ومن اهمها عدم السماح لنتنياهو بتفجير حرب اقليمية شاملة تكون ايران هدفها الختامي والولايات المتحدة تتحمل عبئها نيابة عن اسرائيل.
الاتفاق يحمل الكثير من التناقضات حسب ادعاء كل طرف لكنني اراء بان الطرفين اصبحا جاهزين لوقف اطلاق النار الذي ارقهما جميعا ولم يقود إلى انكسار احدهما برغم فارق القوة والتضحية .
د. دحان النجار القاهرة ٢٠٢٤/١١/٢٧م