ما الذي تريده تل أبيب من سوريا؟

عين اخبار الوطن – MCD
يوم الأربعاء 16 تموز/يوليو، قصفت إسرائيل العاصمة دمشق، مستهدفة مواقع عسكرية و”سيادية”، في خطوة لم تكن الأولى. فمنذ دخول البلاد في مرحلة انتقالية بالغة الحساسية، مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصعود قوى جديدة إلى الحكم بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، لم تخلف تل أبيب الموعد بضرب سوريا والتوغل في أراضيها متى سنحت لها الفرصة.
وبررت إسرائيل ضرباتها يوم الأربعاء بـ”حماية الطائفة الدرزية”،إذ جاءت هذه الغارات عقب مواجهات دامية اندلعت في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية جنوب سوريا، بين مسلحين من أبناء الطائفة وآخرين من البدو، قبل أن تتدخل قوات النظام الانتقالي الجديد ويتصاعد الوضع إلى اقتتال دموي أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص، وفقا لمعلومات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لكن المراقبين اتفقوا على أن إسرائيل على الارجح “لا تتحرك بدافع إنساني أو حرص على الأقليات”، بل تستغل حالة التفكك التي تعيشها سوريا منذ سنوات لتعزيز نفوذها في المنطقة. وفي كلمة متلفزة فجر يوم الخميس 17 يوليو/تموز، اتهم أحمد الشرع إسرائيل بالسعي إلى تحويل سوريا إلى “ساحة فوضى غير منتهية.. وتفكيك وحدة الشعب السوري”.
إعادة تشكيل المنطقة.. على مقاس إسرائيل
جاء التدخل الإسرائيلي بعد أيام قليلة من انباء تناولت إمكانية عقد “صفقة أمنية” أولية بين السلطات الجديدة في دمشق وتل أبيب، تمهيدا لتطبيع محتمل. لكن يرجح مراقبون أن شروط الجانب السوري لم تلب تطلعات الإسرائيليين، أو العكس.
وتتماهى استراتيجية إسرائيل في سوريا مع تصريحات متكررة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، إذ يرى مراقبون أن تل أبيب تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض. وبينما يدعو وزراء من اليمين المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش، علنا إلى “تفكيك سوريا”، يبدو أن نتنياهو يراهن على إطالة أمد عدم الاستقرار في دول الجوار كضمانة لأمن إسرائيل، ولو على حساب شعوب المنطقة وسيادة الدول.
إضافة إلى ذلك، لم تخف إسرائيل انزعاجها من قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات التي كانت تعيق عملية إعادة إعمار سوريا وتعافيها ولو جزئيا من وضع اقتصادي واجتماعي منهك.
منطقة عازلة جنوب سوريا.. وانقرة تزعج تل أبيب
وتجدر كذلك الإشارة إلى انه منذ سقوط نظام الأسد، توغلت القوات الإسرائيلية إلى ما بعد المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود السورية الإسرائيلية، وهي المنطقة التي تخضع لمراقبة قوات الأمم المتحدة منذ اتفاق عام 1974 بين الجانبين، ويرجح الخبراء ان “إسرائيل تحاول إقامة منطقة عازلة غير رسمية في جنوب سوريا.”
من جهته، اعتبر الباحث والمحلل الفرنسي سيدريك لابروس في حديثه لإذاعة فرنسا الدولية، أن ما يجري في جنوب سوريا “هو أول اعتراف حقيقي بضعف السلطة السورية الجديدة” واضاف “من الواضح أن سوريا لا تستطيع أن تلعب وفق شروط إسرائيل”، مشيرا إلى دعوات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى جعل جنوب سوريا “منزوع السلاح”.
وفي السياق ذاته، يرى البعض أن من أولويات تل أبيب الحيلولة دون وقوع سوريا تحت نفوذ تركي مباشر، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يقود حزباً ذا توجهات إسلامية، اتخذ منذ بداية حرب غزة مواقف معادية لإسرائيل، وعبّر مراراً عن دعمه لحركة حماس.
توقيت الغارات الإسرائيلية على سوريا هذا الأسبوع جاء في لحظة حساسة، إذ كان من المقرر أن يمثل نتنياهو أمام المحكمة يوم الأربعاء 16 يوليو/تموز في إطار محاكمته المستمرة بتهم الفساد، والتي لطالما حاول تأجيلها والتنصل منها. بل إندونالد ترامب دعا القضاء الإسرائيلي إلى إلغاء محاكمة نتنياهو وهدد بتعليق مساعدات واشنطن لإسرائيل.
وأي تحرك عسكري من هذا النوع يتطلب حضور وتفرغ رئيس الوزراء لمتابعته، وبالفعل تأجلت جلسة المحاكمة بعد أقل من ثلاثين دقيقة من بدئها، عقب تلقيه “تحديثا أمنيا عاجلا”.
وواجه نتنياهو أيضا ضغوطا من الطائفة الدرزية في إسرائيل، التي تشكل مجتمعا يضم نحو 150 ألف نسمة، وفقا للصحف المحلية، ويؤدي عدد كبير منهم الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، تجمع العشرات من دروز الجولان المحتل قرب الحدود مع سوريا، في محاولة منهم لـ”مساندة” أبناء طائفتهم في السويداء، ما دفع نتنياهو إلى نشر مقطع فيديو دعاهم فيه إلى “عدم عبور الحدود”، قائلا “أنتم مواطنو إسرائيل، لا تعبروا الحدود. فأنتم بذلك تعرضون حياتكم للخطر؛ قد تُقتلون، قد تخطفون، وأنتم تعرقلون جهود الجيش الإسرائيلي. لذا أطلب منكم العودة إلى منازلكم وترك المهمة للجيش”.



