إعادة إعمار الإنسان ومعركة السلام الداخلي

✍️ بقلم :زعفران علي المهنا
يبقى الناس يحملون في عيونهم رماد البيوت المهدمة، وفي أصواتهم صدى الصراخ الذي لم يسمعه أحد.
الحرب تترك فينا ما لا يرى… كسور في الروح، و تصدعات في الثقة، وخوفا يسكن تحت الجلد.
ولذلك، لا يكفي أن ترمم الجدران، بل يجب أن نعيد ترميم الإنسان ودفن وجع لا يرى بعد المذابح و الإبادات الجماعية، يخرج الناس إلى الشوارع، لكن الشوارع لم تعد نفسها.
يعودون إلى بيوتهم، لكن البيوت باتت غريبة، والأمان تسرب من بين الجدران يعيش الأطفال في فزع دائم، والنساء يخفين الحزن ورء وجوه صلبة، والرجال يحاولون أن يبدوا أقوياء وهم في داخلهم منهارون.
كل شيء يحتاج إلى إعادة بناء…
لكن البناء الحقيقي يبدأ من الداخل، من القلب والعقل والذاكرة فالتأهيل النفسي والاجتماعي… خطوة نحو الشفاء لكي تتعافى المجتمعات من آثار الحرب، لا بد من برنامج وطني للتأهيل النفسي والاجتماعي،
يضم جيشا من الأخصائيين الاجتماعيي
والمعالجين النفسيين
يعملون بهدوء وعمق،
ليعيدوا للناس ثقتهم بأنفسهم وبالحياة.هذا الفريق الوطني ليس مجرد مشروع إداري، بل روح وطنية جديدة،تحمل في يدها أدوات العلاج، وفي قلبها حب الناس وإيمان بقدرتهم على النهوض تحت مسمى الإدارة بالحب
الأمهات… بوابة الشفاء الأولى
في كل بيت خرج من الحرب، هناك أم تنهض من تحت الركام، تمسح الغبار عن وجه طفلها وتقول له: “الحياة لسه بخير”.
هؤلاء الأمهات يجب أن يكن في مقدمة برامج التأهيل،
لأنهن أكثر من عاش الخسارة وأكثر من يملكن القدرة على إعادة البناء.
إن دعم الأم نفسيا واجتماعيا يعني أننا نعيد بناء أجيال بأكملها من خلال برامج التأهيل التي يمكن أن تشمل:
جلسات دعم نفسي للأمهات لتخفيف الصدمات.
تدريب على كيفية التعامل مع خوف الأطفال وغضبهم.
أنشطة اجتماعية تعيد للنساء روح المشاركة والأمل.
مبادرات محلية تُشجع على الحوار والمسامحة.
كل أم متصالحة مع ذاتها قادرة على أن تخرِج جيلا لا يعرف الكراهية، بل يعرف كيف يعيش بسلام.
مقترح خطوات لإعادة التوازن
1. إنشاء مراكز وطنية ومحلية للتأهيل النفسي والاجتماعي في كل مدينة.
2. تدريب كوادر من المجتمع نفسه، لأن الشفاء يحتاج إلى أصوات مألوفة يعرفها الناس ويثقون بها المؤثرين في كافة المجالات
3. دمج مفاهيم الوعي النفسي في المدارس والمساجد والمراكز الشبابية.
4. إطلاق حملات إعلامية تعيد تعريف القوة بأنها في العفو والتعافي لا في الانتقام.
5. تحويل القصص المؤلمة إلى مشاريع أمل — مسرح، رسم، كتابة، تطوع.
من الألم إلى الأمل
التأهيل بعد الحرب ليس عملاً إنسانيًا فحسب، بل ضرورة وطنية.
لأن الأوطان لا تبنى بالحجارة فقط، بل بالعقول السليمة والقلوب التي شفيت من الخوف.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط إعادة إعمار المدن، بل إعادة إعمار الإنسان.
فإذا أردنا أن ننتصر فعلا فعلينا أن نربح معركة السلام الداخلي.
أن نعيد الثقة إلى النفوس، وأن نعلم أبناءنا أن الماضي لا ينسى، لكنه لا يجب أن يقتل المستقبل.



