تهميش الأقليات وصمت مبعوثي الأمم المتحدة المدوّي في اليمن؟

✍️ كتب: رشاد الخضر
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، اختفت قضايا الأقليات العرقية والاجتماعية تمامًا من أجندة مبعوثي الأمم المتحدة المتعاقبين، رغم أن هذه الأقليات هي الأكثر تضرُّرًا والأضعف صوتًا في المجتمع اليمني.
الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان تكرّران في بياناتهما الرسمية التزامهما بحماية الأقليات وتمكينها من ممارسة حقوقها كاملة، لكن هذا الالتزام ظل حبرًا على ورق عندما يتعلق الأمر باليمن.
من هم هؤلاء المهمشون المنسيون؟
الأقلية الأبرز والأكثر معاناة هي «المهمشون» أو «الأخدام» (يمنيون سود البشرة، يُقدَّر عددهم بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، أي ما يعادل 12% من إجمالي سكان اليمن). يعيش معظمهم في أحياء عشوائية. وإلى جانبهم أقليات أخرى صغيرة لكنها شديدة الضعف، مثل: اليهود، والبهائيين، والمسيحيين، والموالدين من أصول يمنية متنوعة.
الواقع المرير أثناء الحرب منذ اندلاع النزاع:
طُرد عشرات الآلاف من المهمشين وأقرانهم من الأقليات الأخرى من منازلهم وأحيائهم بسبب الانقلاب الذي قادته جماعة انصار الله الحوثيين، المصنَّفة جماعة إرهابية بموجب القرار التنفيذي الأمريكي.
وبالنظر إلى وضع المهمشين، فإنهم يعانون ظروفًا إنسانية بالغة الخطورة؛ إذ مُنعوا من الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية في كثير من المناطق اليمنية بسبب التمييز العنصري الصريح.
تعرّضت نساؤهم للعنف الجنسي بشكل ممنهج، ووثّقت منظمات حقوقية محلية عشرات حالات الاغتصاب الجماعي بحقهن دون أي تحقيق جدي، سواء في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا أو في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين.
كما مات المئات منهم جوعًا في كثير من مناطق اليمن لأنهم لا يملكون بطاقات هوية تتيح لهم تلقي المساعدات الإغاثية والإنسانية.
مبعوثو الأمم المتحدة: لقاءات صفر مع رموز الأقليات
خلال أكثر من عشر سنوات من الوساطة الأممية (إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مارتن غريفيث، هانز غروندبرغ)، لا يوجد ولو لقاء واحد موثَّق رسميًا جمع أي مبعوث أممي بممثل حقيقي عن المهمشين أو اليهود اليمنيين أو أي أقلية عرقية أخرى.
على سبيل المثال، نعمان الحذيفي – زعيم المهمشين وممثلهم في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ورئيس المجلس الوطني للأقليات اليهودية والبهائية والمسيحية والسود والموالدين من أصول يمنية حاليًا – لم يلتقِ به أي مبعوث أممي رغم دعواته المتكررة للتدخل لحماية هذه الفئات من التطهير العرقي والعنف الممنهج.
جولات المشاورات في جنيف والكويت والسويد وعُمان والأردن والرياض لم تُدعَ إليها ولو شخص واحد يمثل هذه الأقليات.
البيانات الصادرة عن مكتب المبعوث الخاص لا تذكر كلمة «مهمشين» أو «أخدام» أو «أقليات عرقية» إلا نادرًا جدًا وبشكل عابر.
زيارات المبعوثين إلى اليمن دائمًا ما تكون إلى القصور والفنادق الفاخرة واللقاءات مع قيادات الأحزاب والجماعات المسلحة فقط، دون زيارة أحياء المهمشين أو تجمعاتهم.
وحتى عندما رفع ناشطو المهمشين عرائض موقعة بآلاف التوقيعات إلى مكتب المبعوث في عمان أو صنعاء، لم يتلقوا أي رد رسمي، ولم يُدرج مطلبهم الأساسي (المشاركة والتمثيل) في أي وثيقة تفاوضية.
التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة
المفوضية السامية لحقوق الإنسان نفسها أصدرت تقارير مفصلة (2017، 2020، 2023) توثّق التمييز العنصري الشديد ضد المهمشين، وتطالب بإدراجهم في أي عملية سلام، مع الإشارة إلى جهود نعمان الحذيفي كمدافع رئيسي عن هذه الحقوق.
لكن مكتب المبعوث الخاص – الذي يتبع الأمانة العامة للأمم المتحدة مباشرة – لم يأخذ أيًا من هذه التوصيات بعين الاعتبار.
النتيجة: الأقليات العرقية والاجتماعية هي الفئة الوحيدة في اليمن التي لم تُمنح ولو مقعدًا رمزيًا على طاولة أي حوار منذ 2015. وهذه هي الخلاصة المؤلمة.
طالما استمر مبعوثو الأمم المتحدة في معاملة الأقليات العرقية والاجتماعية في اليمن كأنها غير موجودة، فإن أي حديث عن «سلام شامل وعادل» سيظل كذبة كبرى.
السلام لا يُبنى بإسكات الأضعف صوتًا، بل بإعطائهم صوتًا مسموعًا لأول مرة في تاريخهم.
على الأمم المتحدة أن تثبت التزامها بحقوق الأقليات عمليًا لا بالبيانات فقط، وذلك بإلزام مبعوثها الحالي أو من يخلفه بلقاء رموز المهمشين والأقليات – ممثلين بنعمان الحذيفي – وإدراج مطالبهم صراحة في أي اتفاق قادم.
وإلا فستظل المنظمة الدولية شريكة – ولو بالصمت – في أبشع أنواع التهميش والتمييز العنصري الذي يُمارس في المنطقة العربية، وعلى رأسها اليمن.



