اليـــــــمن الــــــي ايــــــــــن

 

✍️ مـصـطـفى مـحـمـودY

تسير اليمن بوتيرة ثابتة نحو تقسيم ترتسم وتتصلب حدوده يوما بعد يوم. القوى العسكرية اليمنيه الفاعلة التي تأسست لتحرير اليمن من الحوثيين ، ترتب أوضاعها حسب ما وصلت إليه الصراعات العسكرية، مكتفية من الغنيمة بما استقر تحت يدها من “اليمن “. اليوم في اليمن اربع دويلات امر واقع تحميها اربع جيوش، لكل منها حلفاؤه ومساندوه ومستخدموه، ولكل منها جمهورها وراياتها ورموزها و”إيديولوجيتها السياسية” الجاهزة، كالعادة، للتكيف مع الحال القائم وتكريسه مع عدم الاعتراف به أو إقراره في الوقت نفسه،

ضمن حدود اليمن القديمة بات لدينا حكومات وحدود ومعابر تفتش وتسمح أو تصد الداخلين والخارجين، ويقف عليها جنود لا يعلمون شيئاً، ولا يهمهم أن يعلموا شيئاً، عن أصل الحكاية التي جعلتهم حراس حدود داخل بلد واحد، اليوم اليمن اصبح أرضاً “لوطنيات” عديدة ناشئة، تشكل كل منها منصة لتخوين الآخرين ونبذهم. اربع واجهات باهتة سعيدة بما تخفيه من مضمون مخالف: الواجهة اليمنيه “الديموقراطية ” . فيما الضحية الأولى لهذه “الوطنيات” الطارئة هي الوطنية اليمنيه التي يتغنى بها الكثيرون ويتسلون بلحن غنائهم هذا بينما هم يثابرون على قطع حبل وريدها.

المفارقة أن القوى العسكرية التي يفترض أنها قوى تحرير اليمن من المليشيا الحوثيه صارت اليوم هي القوى المنكفئة والتي ترى نصرها في تثبيت الحدود.
قوى التحرير زوراً هي اليوم قوى محافظة من منظور وحدة البلاد، جل ما تريده أن تحافظ على ما هي فيه. يبدو من الناحية العسكرية أن القوة الوحيدة التي تسعى إلى كسر هذا الحال هو الحوثي الذي يحلم بخدمة ايران بالسيطرة على كامل اليمن ،

النظر الجريء في عين الواقع يفيد أن المؤسسات التي تترسخ على الأرض في مناطق السيطرة الخارجة عن سيطرة الحوثيين ، تخلق نخب حاكمة ومصالح خاصة مضادة للوحدة اليمنيه التي من شأنها أن تحد أو تلغي هذه المصالح. من المعروف أن النخب الحاكمة في كل من هذه المناطق تنشيء فيما بينها علاقات اقتصادية ومالية وحتى أمنية، وفق مقتضيات استمرار إدراتها لمناطق سيطرتها. معرفة أن الحال السياسي في هذه المناطق لا يختلف عنه في مناطق سيطرة الحوثيين تقود إلى أن الصراع بين القوى المسيطرة في هذه المناطق يقوم على المصالح الخاصة بكل نخبة حاكمة، بمعزل عن مصلحة الشعب اليمني الذي خرج إلى حد كبير من ميدان السياسة مع سيطرة الفعل العسكري على ساحة الصراع.
يقع في صلب المنطق السياسي القول إن الحلم المضمر لدى القوى المناهضه للمشروع الحوثي الايراني هو أن تحوز نخبها على أوسع سلطة ممكنة في مناطق سيطرتها، وصولاً إلى حكم ذاتي،
هذا إذا عزّ الاستقلال التام. ليست الوطنية المزعومة ولا الحرص على مصلحة اليمنيين هو ما يدفع النخبة الحوثيه السلاليه إلى القتال للسيطره على المناطق الخارجة عن سيطرتها، هذا من نافل القول، بل المصلحة الاستراتيجيه و الاقتصادية
(سيطرة على الموارد) والسياسية لكسب الشرعيه ) لهذه النخبة السلاليه وخدمه للراعي الرسمي الايراني
. أما النخب المناهضه للحوثي طمحها محصور في مناطق سيطرتها فهي لم تخسر شئ بل العكس كسبت ما خسره اليمنيون ، وتدرك جيداً اليوم، في ظل التعقيدات الراهنة، أنها لا تمتلك القدرة على كسب المزيد.

السؤال الآن: ما هو موقع هذه القوى من عملية تحرير اليمن من مليشيا الحوثي الامامي الكهنوت وبناء الدوله التي تطلع إليها الشعب اليمني ، ولا يزال؟ إذا نظرنا إلى التحرير من منظور وطني يمني ، أي يشمل اليمن كامله بأرضها وشعبها، نجد أن دور هذه القوى هو في إعاقة الحوثي من السيطرة على كامل التراب اليمني ، ما يجعله، إضافه للمبادره الاميريكية، مرغماً على قبول نوع من الحل السياسي الذي يحاول تفاديه من خلال سعيه المحموم لإنجاز حل عسكري. على أن جدية هذا الحل السياسي، تبقى، كما هو مفهوم، مرهونة للقوى الخارجية أي لعوامل غير يمنيه

سوف نلاحظ مروراً أن الحل العسكري كان فاشلاً على طول الخط طوال سنوات الحرب ، وفي كل الاتجاهات. فشل الحوثي من إخضاع اغلب المناطق عسكرياً، وفشلت الفصائل العسكرية المناهضه للحوثي من إسقاطه عسكرياً، . نحن اليوم أمام هذا الفشل الأخير، وإذا توافقت (فرضاً) القوى المتحكمة بالوضع اليمني على تطبيع الوضع الحالي، سنجد حينها أن “وطنية” الحوثي وسعيه للسيطرة علي كافة التراب اليمني قد تبخرت، لصالح استعادة قبوله في العالم على يمن أقل.
سبق أن قسمت اليمن على يد الاستعمار البريطاني والترمي ومن قبلهما دويلات الأئمامه الذين أنكروا الوطنية اليمنيه ونظر إلى اليمنيين كجماعات دينية. ومناطقيه ولكن تمكن اليمنيون حينها، بإرادتهم، من استعادة وحدتهم وفرضها على المحتل. أما اليوم فنحن أمام تقسيم تفرضه احتلالات عديدة، ما يتطلب من اليمنيين إرادة ووعي أكبر وتحد أشد ومواجهة مع النخب الحاكمة في كل مكان، والتي تتبلور مصالحها أكثر فأكثر ضد وحدة اليمن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى