الوضع الإنساني في اليمن كارثة تتدحرج عبر خطوط وقف إطلاق النار

 

✍️ عبد الحميد صيام – القدس العربي

نيويورك (الأمم المتحدة) ـ «القدس العربي»: هناك أربعة تطورات إيجابية شهدها اليمن في الأشهر الأخيرة، كلها تدعو للتفاؤل وتفتح شهية المجتمع الدولي لتحقيق المزيد من الخطوات الإيجابية. لكن الوضع الإنساني الكارثي يجعل مثل تلك التطورات هوامش على دفتر المأساة.

الظاهرة الإيجابية الأولى هي استمرارية وقف إطلاق النار رغم أن الهدنة الرسمية المتفق عليها انتهت دون تجديد منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فقد انخفضت نسبة أعداد القتلى والجرحى في ميادين القتال بشكل كبير. صحيح أن المناوشات والاشتبكات المحدودة ما زالت تظهرعلى الجبهات، وهناك قتال متقطع وتبادل إطلاق النار خصوصا في تعز ومأرب والضالع والحديدة وشبوة وصعدة، لكنها بالتأكيد لا تقارن بما كان يحدث قبل الهدنة.
الظاهرة الثانية هي إغلاق ملف ناقلة صافر العملاقة التي كانت تحتوي على أكثر من مليون برميل من النفط، وكانت مهددة بالانفجار في أي لحظة، ما كان ينذر بحدوث انسكاب كارثي للنفط في البحر الأحمر. تغلبت الأمم المتحدة على العديد من التحديات السياسية والأمنية والمالية لإنجاز هذه المهمة واستغرقت هذه العملية نحو 18 شهرا من العمل السياسي للحصول على موافقة الأحزاب، والتخطيط الفني، وجمع 140 مليون دولار. اشترت الأمم المتحدة ناقلة عملاقة أخرى، في آذار/مارس الماضي، كانت تسمى سابقا نوتيكا ثم غير اسمها إلى «اليمن». وهي تحمل الآن النفط الذي أفرغ من الناقلة المتهالكة صافر وتتجه لإتلافه بعيدا. لقد أنقذ هذا التطور المهم اليمن والبحر الأحمر والبيئة البحرية من كارثة محققة فيما لو تسرب النفط إلى مياه البحر.
والظاهرة الثالثة في 11 آب/أغسطس تم إطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة الخمسة المخطوفين منذ شباط/فبراير 2022 (أربعة محليون وموظف دولي واحد) أي انهم احتجزوا لمدة 18 شهرا، وعادوا جميعا إلى مواقعهم سالمين. ورحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بهذا التطور الإيجابي مؤكدا أن الاختطاف جريمة لا إنسانية وغير مبررة، داعيا إلى محاسبة مرتكبيها. كما أعرب عن تضامنه مع الأشخاص الآخرين الذين لا يزالون رهن الاحتجاز في اليمن. كما رحب بهذا التطور، ديفيد غريسلي، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن. وقدم غريسلي شكره للحكومة اليمنية وكل من ساعد في تأمين إطلاق سراح الزملاء الموظفين وساهم في ضمان صحتهم خلال هذه الفترة الطويلة في الأسر.
وأما التطور الإيجابي الرابع فهو تبادل الأسرى حيث أطلق الطرفان نحو 900 أسير في نيسان/أبريل الماضي حسب الاتفاق الذي تم في سويسرا برعاية أممية وسيليه اتفاقات لاحقة لإطلاق مزيد من الأسرى.

الوضع الإنساني الكارثي

مع هذه التطورات التي قد تشير إلى تحسن الوضع الأمني والسياسي بشكل عام إلا أن الوضع الإنساني قد تدهور بشكل غير مسبوق. والسبب الرئيس هو نقص التمويل.
خطة الاستجابة الإنسانية لليمن التي دعت لها الأمم المتحدة لم تتلق سوى 1.34 مليار دولار من مجموع 4.34 مليار مطلوبة، وهو ما يعني 31 في المئة فقط من التمويل المطلوب وهذا يلقي بظلال ثقيلة على ملايين اليمنيين الذين يعانون لكسب قوت يومهم في اليمن شمالا وجنوبا.
فالحل السياسي وحده لو حدث الآن، لن يحل الأزمة الإنسانية الشاملة. والمنظمات الإنسانية تعمل على مدار هذا العام على زيادة وجودها في أماكن لم تكن تحصل على خدمات كافية. فعمال الإغاثة ما زالوا يعانون من محاولات التدخل في كل مراحل الأنشطة الإنسانية، رغم القيود المفروضة على الحركة من بعض الميليشيات والتي تؤثر بشكل خاص على موظفات الأمم المتحدة المحليات وجميع من يخدمونهم. وجاء في بيان لبرنامج الأغذية العالمي، أنه بدءا من أيلول/سبتمبر الحالي سيكون مضطرا أن يخفض نسبة المساعدات الإنسانية بسبب أزمة التمويل الكبرى التي يواجهها لتمويل عملياته في اليمن.
وقال البرنامج إن نقص التمويل سيؤثر على جميع برامجه الرئيسية- بما في ذلك المساعدة الغذائية العامة والتغذية المدرسية وأنشطة بناء القدرة على الصمود. وفي إطار المساعدة الغذائية العامة، يتلقى 13.1 مليون مستفيد في جميع أنحاء اليمن حاليا حصصا غذائية تعادل ما يقرب من 40 في المئة من سلة الغذاء القياسية.
وحذر البرنامج من أن نحو 3 ملايين شخص في الشمال و1.4 مليون مستفيد في الجنوب سيتأثرون في حال عدم الحصول عل تمويل جديد. كما اضطر البرنامج إلى إجراء تخفيضات في أنشطة الوقاية من سوء التغذية في اليمن والتي استهدفت في السابق 1.4 مليون شخص. وبسبب نقص الموارد، فإن برنامج الأغذية العالمي لن يتمكن سوى من مساعدة 128 ألف شخص في اليمن من مجموع 2.4 مليون طفل وامرأة حامل ومرضع وفتاة تم استهدافهم في بادئ الأمر.
دعم القدرة على الصمود

وبرغم أن برنامج علاج سوء التغذية الحاد المعتدل المنقذ للحياة لا يزال قيد التشغيل، فقد اضطر برنامج الأغذية العالمي بالفعل إلى قطع 60 في المئة من البرنامج الذي تم التخطيط له سلفا، حيث يتلقى 526.000 فرد المساعدة في الشمال و145.300 في الجنوب من إجمالي 1.9 مليون شخص تم التخطيط لمساعدتهم خلال العام الحالي.
وذكر البيان أنه يتوقع تقديم المساعدة إلى 1.8 مليون طفل فقط كجزء من برنامج التغذية المدرسية لهذا العام الدراسي، وهو ما يمثل انخفاضا عن الهدف المنشود المتمثل في مساعدة 3.2 مليون طفل. وأوضح البرنامج الأممي أنه قلّص نطاق وحجم أنشطته الرامية إلى دعم بناء القدرة على الصمود وسبل العيش بسبب نقص التمويل، مشيرا إلى أنه لم يتمكن حتى الآن سوى من مساعدة 319 ألف شخص من بين مليوني شخص تم التخطيط لمساعدتهم خلال هذا العام.
وقال ريتشارد راجان، ممثل برنامج الأغذية العالمي في اليمن، «نحن نواجه واقعا صعبا يتمثل في اتخاذ قرارات تفضي إلى أخذ الطعام من أفواه أناس جياع لإطعام أناس جياع آخرين، بينما يستمر ملايين اليمنيين في الاعتماد علينا للبقاء على قيد الحياة. نحن لا نتعامل مع هذا القرار باستخفاف، وندرك تماما المعاناة التي ستنجم عن هذه التخفيضات».
وجاء في البيان أن البرنامج يحتاج خلال الأشهر الستة المقبلة إلى تمويل إجمالي قدره 1.05 مليار دولار، ولكنه لم يتمكن حتى الآن من تأمين سوى 28 في المئة فقط من هذه الأموال.
إذن نحن أمام هذه الصورة الكلية المأساوية، فلا اختراق سياسي واضحا رغم استمرار الهدنة وتراجع حدة القتال على الجبهات وتبادل بعض الأسرى وإطلاق سراح الموظفين الأممين المخطوفين وإغلاق ملف ناقلة صافر، إلا أن الوضع الإنساني يهدد ببعثرة تلك التطورات وانزلاق البلاد كلها نحو كارثة إنسانية.
المطلوب الآن، كما قال غروندبيرغ في مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيره يوم 16 آب/أغسطس، التزام الأطراف جميعها بوقف إطلاق نار شامل في كل أنحاء اليمن، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون إعاقة والضغط على المجتمع الدولي لزيادة تمويل البرامج الإنسانية، وأخيرا اتخاذ خطوات ملموسة للوصول إلى اتفاق واضح للمضي قدما نحو استئناف عملية سلمية يمنية شاملة. فبدون الجلوس الجماعي لليمنيين إلى طاولة المفاوضات الشاملة ستبقى الأوضاع في البلاد قابلة للانفجار مجددا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى