حرب إسرائيل على غزة قرار محكمة العدل الدولية اليوم من انتصر فيه ؟(قراءة أولية):

 

أ د / دخان النجار

محكمة العدل الدولية تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية التي عانا العالم منها بتقديم عشرات الملايين من الضحايا البشرية البريئة التي تعرضت للإبادة الجماعية على أيدي النازيين ومن ضمن تلك الضحايا كان اليهود الذين تعرضوا لما يسمى في الادبيات الدولية بالمحرقة النارية .
تمت محاكمة نازيين في تلك المرحلة وتلتها محاكمات لمجرمي حرب دوليين فيما بعد بمن فيهم على سبيل المثال قادة الصرب وصرب البوسنة .
محكمة العدل الدولية ايضاً قبلت الدعوى الاوكرانية ضد روسيا ورئيسها بوتين بسبب غزوه لأوكرانيا في فبراير ٢٠٢٢ واصدرت قرارا يطالب روسيا بان تعلق فورا العمليات العسكرية ووقف الهجمات فورا بل وتطور الأمر إلى ان أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارا بتوقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمجرم حرب.
في قضية أعمال الإبادة الجماعية الاسرائيلية في غزة تقدمت جنوب أفريقيا بدعوى إلى محكمة العدول الدولية ضد إسرائيل مسنودة بالأدلة عن ارتكاب أعمال إبادة جماعية وتطلب من المحكمة اصدار قرار فوري بوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى سكان القطاع المحاصرين والمشردين بدون غذى ومأوى بل والعرضة للموت الجماعي في المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء التابعه للأمم المتحدة وفي منا زلهم ومخيمات اللجؤ. الخطوة الاولى الايجابية ان المحكمة قبلت الدعوى واستمعت إلى الرد الإسرائيلي الذي طلبت فيه إسرائيل منها بعدم قبول الدعوى إلا ان الدعوى تم قبولها ورُفض الطلب الاسرائيلي. إسرائيل متهمة وتحت وطأة القانون الدولي وهي سابقه في تاريخها مهما كانت النتيجة وحتى لو اعتبرت نفسها منتصره بتخفيف لهجة القرار وهي بالفعل تمكنت من ذلك بدعم من حلفائها .
طبقا للأدلة الوارده في دعوى جنوب افريقيا كان لابد للمحكمة بان تصدر قرار واضح بشان الاجراءات الفورية المتعلقة بوقف فوري لاطلاق النار وبلغه واضحه اسوةٌ بقرارها تجاه روسيا في الأمس القريب إلا انه صدر بلغة لينه توافقية غير حادة يعكس ميزان القوى والنفوذ الدولي بغض النظر عن المعايير القانونية الانسانية الدولية. القرار يأمر إسرائيل باتخاذ اجراءات لمنع الإبادة الجماعية والتحريض المباشر عليها ورفضت الطلب الاسرائيلي بعدم قبول دعوى جمهورية جنوب افريقياء.
صوتت أغلبية كبيره من الأعضاء المؤلفة من ١٧ قاضيا لصالح اتخاذ اجراءات عاجلة تلبي معظم ما طالبت به جنوب افريقيا باستثناء توجيه الأمر (بوقف الحرب على غزه).وذكرت المحكمة انها تقر بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية مؤكدة ان الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل ومع ذلك لم تتخذ تدابير صارمة . وفي تحليلنا لمحتوى القرار يتضح :
١.القرار انتصار سياسي ومعنوي للقضية الفلسطينية التي تتعرض للظلم والتمييز الدولي بسبب تدليله لإسرائيل ووضعها فوق القانون الدولي الإنساني وكل التشريعات المحليه لكل دولة وهذا القرار هو أدانه لإسرائيل وللدول الداعمة لها في تصرفاتها وبالذات الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغير ها من الدول الغربية. إسرائيل لاول مرة في تاريخها تقف على منبر المحاكمة الدولية وهي الدولة التي استغلت الإبادة الجماعية ضد اليهود في الماضي لابتزاز واستعطاف العالم معها كضحية للمحارق النازية وايضاً نفوذ الرأسمال اليهودي في العالم والسيطرة على وسائل الإعلام العالمية جعل إسرائيل في مأمن من متابعة المجتمع الدولي لها على جرائمها لكن ما حصل اليوم في محكمة العدل الدوليه وان لم يكن قرار مرضي بحسب التوقعات منه فانه يدل على بداية العد العكسي الإسرائيلي ولو اخلاقيا . وكان لجنوب افريقيا الدولة التي عانت من التمييز العنصري والعالم كله يعترف بذلك الكلمة المسموعة في محكمة العدل الدولية كونها دولة غير معادية لإسرائيل وداعميها وليست دوله عربيه او إسلامية يتم التذرع بانحيازها او بعدم أهليتها القانونية والسياسية. من اليوم فصاعدا من يريد ان يلاحق اسرائيل هناك اساس قانوني دولي لذلك وسوف يعزز ذلك من موقف الرأي العام العالمي المناوىء لإسرائيل والذي بداء في التنامي في السنوات الاخيره .
٢.القرار حافظ على التوازن الدولي واصدر اوامره بلغه لينه غير اوامرية مباشره وكما يقول المثل (اذا اردت ان تُطاع فامر بما يُستطاع)، واكيد ان المحكمة تعرضت لضغوط كبيره من قبل القوى النافذه الدولية من اجل ان لا تصدر قرارات واضحة ملزمه لإسرائيل والتي يتطلب عدم تطبيقها العودة إلى مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة والذي يتوقع منه عدم تمرير قرار بسبب موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق النقض الفيتو اكثر من مره ضد مشاريع تدعو إلى وقف فوري لاطلاق النار في قطاع غزه وايضا من المتوقع ان تنظم دول اخرى دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي إلى اتخاذ حق النقض الفيتو وبالذات بريطانيا وفرنسا.
الخلاصة:
1. قبول الدعوى بصيغتها القانونية المتضمنة الإبادة الجماعية كان انتصار اخلاقي وسياسي للفلسطينيين وادانة مسبقه غير مباشره لدولة إسرائيل ( واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط) وضحية المحارق النازية وداعميها.اسرائيل من الان فصاعدا تحت المجهر وسمعتها الدولية تضررت كثيرا.
2. القرار المعتدل نسبيا راعا نفوذ القوى الدولية العظمى والتي تتصرف احيانا خارج القانون الدولي كون القانون تفرضه موازين القوى والمصالح .
3. القرار لم يلزم إسرائيل مباشره بوقف اطلاق النار نزولا عند رغبات بعض الأطراف الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه في نفس الوقت يلزم إسرائيل باتخاذ اجراءات لمنع الإبادة الجماعية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية وهذا لن يتحقق إلا بوقف إطلاق النار.
4. قرار اليوم حمال او ذات وجهين فهو يمكن إسرائيل من التلاعب كما صرح نتانياهو بان القرار لا يمنع أسرّا ئيل من حق الدفاع عن نفسها وفي نفس الوقت يمنح مناوئيها فرصة لملاحقتها دوليا مستندين إلى هذا القرار.
5. ننتظر القرار النهائي لمحكمة العدل الدولية والذي سوف يطول انتظاره وفيه يتجلى الموقف النهائي للمحكمة مع انني أتوقع ان يكون توافقي شبيه بقرار اليوم.
د. دحان النجار ميشجان الجمعه ٢٦ يناير ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى