*بين حرية التعبير و الاساءة شعرة معاوية*

✍️ بقلم / بسمة العوامله
في كل مرة اتحدث بها عن ضمانة حرية التعبير ، اجدني اعود الى مقالة لجلالة الملك حفظه الله ،كانت قد نشرت لجلالته تحت عنوان ( منصات التواصل ام التناحر الإجتماعي) و ذلك في تشرين اول من عام 2018 ، و قد اشار جلالته من خلال هذا المقال الهام الى بعض الظواهر الإجتماعية المقلقة على منصات التواصل الاجتماعي سواء اكانت بالتجريح و نشر الكراهية و بالذم و القدح ، او استخدام المعلومات المضللة باسلوب يخلو من الحياء اللباقة في الحوار و النقاش و دون اي شعور بالمسؤولية الاخلاقية و الاجتماعية ، او الإلتزام بالقوانين التي وجدت لتكون رادعة لكل من يسيء استخدام هذه المنصات الإجتماعية .
حقيقة الامر لم يختلف الامر كثيراً في السنوات الاخيرة فيما يتعلق بمنصات التناحر الاجتماعي كما اطلق عليها سيد البلاد في ذلك الحين ، فلا زال الكثيرون يخلطون ما بين حرية التعبير و بين الاساءة و التجريح بالاخرين ، كذلك الحال بالنسبة لمطلقي الإشاعات و الأخبار المضللة و الكاذبة ، مما تسبب للمواطنين و توقع في نفسهم الريبة و الارباك و احياناً التساؤل بسبب انتشار الأخبار المضللة الكاذبة والتي لا تمت للحقيقة بصلة.
منذ ذلك الحين و نتيجة لمطالبات عديدة بتنظيم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعية تلك لوقف سيل الاساءات كان من الضرورة بمكان وضع تشريعات لضبط استخدامات هذه الوسائل بالاضافة الى منع انتشار الاخبار المضللة و الكاذبة.
بالإضافة الى صون و حماية حرية التعبير و لحفظ حقوق المواطنين و منع التحريض على الكراهية ، فكان أن تم حديثاً اقرار قانون الجرائم الالكترونية ، و لكون القانون حديث و كونه لاقى الكثير من الإنتقادات بعد أن تم اقراره و اصبح قيد التنفيذ ، ما كان من جلالته و استجابة لهذه الآراء ،
و خلال لقاءه لرئيس و اعضاء مجلس امناء المركز الوطني لحقوق الانسان و نقيب الصحفيين ، قبل ما يقرب العام من الآن حيث اعتبر جلالته خلال اللقاء من أن تطبيق قانون الجرائم الالكترونية سيكون هو العامل الاساسي و الذي سيحسم مدى الحاجة الى مراجعة بعض بنوده و مواده ، و بذات اللقاء نوه جلالته من أن مكافحة هذه الجريمة يجب أن لا يكون على حساب حق المواطن في التعبير عن رأيه بكل حرية ما دام هذا التعبير ضمن حدود التعبير و الانتقاد البنّاء للسياسات العامة دون اساءة او تجريح لاي جهة كانت .
و قد اخذ المركز الوطني على عاتقه انذاك و بحكم ولايته و كونه مرجعية مستقلة تقوم بدورها في تعزيز ضمان حقوق الإنسان عن طريق رصد الحالة العامة لحقوق الانسان في الاردن ، كان قد ابدى استعداده للقيام بما يسمى بتقييم الأثر التشريعي لقانون الجرائم الالكترونية ،
بحيث يتم اعداد دراسة بهذا الأثر و من ثم تقديم توصيات بذلك على أن يتم رفع هذه التوصيات للحكومة و السلطة التشريعية و مؤسسات المجتمع المدني ، بهدف تجويد البيئة التشريعية ، و في حال وجد المركز أن هناك حاجة الى اجراء تعديلات على بنود او بعض مواد القانون التقدم بالتوصيات المناسبة فيما يتعلق بتلك التعديلات المقترحة بناء على دراسة الأثر .
وعلى الرغم من مرور العام على هذا اللقاء، لم نعلم هل تم الانتهاء من اعداد هذه الدراسة ،ليتسنى للدولة الأردنية تضمين دراسة قياس الأثر للقانون و التعديلات الواجب اجراءها إن وجدت ، لتضمينها في تقرير الأردن الذي سيقدم لاعتماده في تقرير الفريق المعني بالاستعراض الشامل الخاص بالاردن في مجلس حقوق الانسان خلال الشهر الجاري في جنيف
، في سياق التحضيرات التي يجري العمل عليها لتنفيذ التوصيات خلال الاعوام الخمس القادمة ، خاصة في ظل قبول الاردن لثمان توصيات جديدة ضمن الاستعراض الدوري الشامل UPR ، و من ضمن هذه التوصيات التي وافق الاردن على قبولها ، التوصية المتعلقة بحماية حرية الرأي و التعبير ، و ذلك التزاماً بتعزيز منظومة حقوق الانسان في الأردن على المدى البعيد .
و التزاماً بهذه التوصية التي تستوجب مراجعة شاملة لقانون الجرائم الالكترونية ، بحيث يتوائم مع ما جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية .
نتطلع الى هذه الدراسة التي ستصدر عن المركز الوطني لحقوق الانسان ، بعين الاهتمام و الترقب الكبيرين ، حتى تساهم تلك الدراسة في تعزيز قيم حقوق الانسان و الديموقراطية ، مما سينعكس بالايجاب على بث الطمأنينة لدى المواطنين للتعبير عن اراءهم دون خوف او فزع ، و ما لذلك من انعكاس ايجابي على ترتيب الاردن على مؤشر الحريات العامة و بالذات على ضمان حماية حرية الصحافة
ولا ننسى بالاضافة الى ذلك التوجيهات الملكية السامية للحكومة الى ضرورة مراجعة ضمان الحق في المعلومة الصحيحة بشكل يسهم في التصدي للاشاعات و الاخبار المضللة ، و بحيث تكون هذه المعلومات في متناول المواطنين للمشاركة في الحوار الوطني حول المواضيع المفصلية لإتخاذ القرارات المدروسة تباعاً على ان تتمتع هذه المعلومات و الحقائق بالمصداقية و الشفافية و بحيث تكون موثوقة .
استناذاً الى ما بدا به جلالته بكلمته في ذاك اللقاء من ان الدولة الاردنية لم ولن تكن يوماً دولةً تعسيفية و تاريخنا يشهد بذلك .