هل يعطي الشعب اللبناني إسرائيل ما خسرته في الحرب؟
حتماً، فشل حزبُ الله في حماية شعب لبنان. وحتماً، لا مجالَ للمقارنة بين سلاحَيْ الحزب وإسرائيل. ضربة تلو أخرى لَوَت الذراع، وضعفت قدراتها أمام هول الدمار الذي أحدثه طيران العدو على الأراضي اللبنانية. لكنّ إسرائيل لم تنجح، حتّى اليوم، من دخول لبنان واجتياحه، كما وعدت، نظراً لشدّة المعارك الضارية وصعوبة خرق تضاريس المرتفعات اللبنانية، بحسب الإعلام الإسرائيلي نفسه. لبنان في حرب مصيرية مع عدو كبير، ولا بد من تضافر القوى اللبنانية، لمقاومة المخطَّط المُعَدّ لإقامة “دولة اليهود الكبرى” التي تبدأ من لبنان ولا تنتهي عند الدول الخليجية، كما ذكر وزير المال بتسلئيل سموتريتش. فهل يتحقق حلم بنيامين نتانياهو بأن يصبح ديفيد بن غوريون الثاني؟
احتلّ الناطق العسكري الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي” المركز الأول في العالم في تدمير أعصاب اللبنانيّين وبيوتهم. ولم توفّر الولايات المتحدة أي سبيل لدعم ابنتها المدلَّلة اسرائيل بآلاف الصواريخ، التي يبلغ وزنُ الواحد منها طنّاً. ولم يعُد خافياً ان تل أبيب تواصل حربها لاحتلال الجنوب والبقاع لتنتقل الى سوريا ثم العراق، ثم تتسلّى بتفكيك الخليج تحت مُسمّى بناء “دولة اليهود الكبرى”.
لبنان واسرائيل اليوم في حرب مصيريّة. لم يعد للدبلوماسية أيّ مفعول بعدما فشلت على امتداد أشهر من إيقاف الحرب، حتى ان القرار 1701، الذي طالما طالبت إسرائيل بتنفيذه ولم تفعل أساسا ما كانت تطالب به، وامتنع حزب الله عنه، صار من الماضي، ولا مجال لآليّةِ تعديله. ولبنان-الدولة، الفارغ من مؤسساته الدستورية، يستقبل التطورات الدراماتيكية بقلق دون حلول بسبب النكايات السياسية.
في مجلس الأمن الدولي مشادات واتهامات، أسبوعياً، بين الدول المؤيدة وتلك المناهضة لطرفَي النزاع، من دون الارتقاء الى قرار يوقف جنون نتانياهو. حتى ان الانتخابات الأميركية لم تؤثر على وقْف الحرب او عَقْدِ هدنة تؤسس لمفاوضات او تسوية، لأن شروط اسرائيل تعجيزية، واليوم قد تتنازل عن بعض الأمور لأنّ وضعها العسكري في حرجٍ من قِبَل شعبها.
وفضلاً عن الولايات المحتدة، فإن تل أبيب مدعومة من الغرب ومن دول كثيرة مقتدرة مثل نيوزلاندا، واليابان التي نسيت في لحظةٍ مَن أذاقها طعم النووي لأول مرة في تاريخ البشرية، والمانيا التي اعتذرت لإسرائيل عن الهولوكوست، بعدما قتلت ستة ملايين يهودي، معظمهم حرقاً، وهي اليوم تبيعُها خمس غواصات نووية من الصعب اكتشافها. حتى ان بعض الدول العربية لم تمتنع عن استقبال جرحى الجنود الإسرائيليين لتطبيبهم مجاناً، في حين ان حزب الله تُركَ وحيداً في المعارك، دون حليف او صديق، والجيش اللبناني ممنوع عليه شراء طائرات حربية، لأنّ اللبناني، بحسب مفهوم الدول العظمى الكبيرة، شعب زائد، أهميّتُه أنه بوابة تجارية للشرق ليس إلا. وقد تلقى فقط مساعداتٍ من بعض الدول العربية.
أطماع اسرائيل في لبنان كثيرة، ولم يوقفها مرة إلا الرئيس إميل لحود الذي افتتح أنبوبا بقطر عشرة إنشات للمياه في نهر الأوّلي الذي ينبع من جوف لبنان، فاستُنفرت اميركا وبريطانيا ، ولم يجرؤ رئيس الجمهورية إلاّ على هذا العمل، في حين اختبأ بعض المسؤولين اللبنانيين، آنذاك، وراء ستارة مصالحهم الاقتصادية.
إسرائيل، التي عقدت سلاماً مع الأردن، تزوّده بالمياه المعدومة (غير صالحة للشرب)، وهو يتوق عطشاً لمياه معدنية لبنانية. فلا تعجبنّ من أطماع اسرائيل، التي تدمّر لبنان اليوم بحجّة سلاح حزب الله وأنفاقه، مع العلم أنها فجّرتها بواسطة رادارات تكشف الفجوات تحت الأرض.
وعلى الرغم من فارق القدرات العسكرية، تبدو إسرائيل “مزروكة”. عددُ جرحاها ناهز المئات اذا لم يكن بالآلاف منذ السابع من تشرين الاول 2023 بحسب الصحافة الإسرائيلية، ولم تحقق مكسباً سياسياً، برغم أنها قضت على قادة حماس وحزب الله، لأن نتائج الحروب تُقاس بتحقيق الأهداف وليس بالخسائر البشرية او المباني السكنية. ومن يباشرْ بطلب المفاوضات يكن الخاسر. ففي آخر التطورات السياسية، تطلب اسرائيل في العلن تنفيذ القرار 1701 وتسليم الجيش اللبناني مواقع الحزب، وفي الكواليس تطلب من الولايات المتحدة فرض حصار بحري وجوي وبري على لبنان، انتقاماً منه، وكي تعلّمه درساً تاريخياً مثل غزة التي تتضور جوعاً اليوم. وما عجزت عنه في تحقيق السطو على الجنوب اللبناني، سوف تأخذه برؤية شعب لبنان يقاسي، مرةً جديدة، نفادَ احتياجاته الأوليّة.
اسرائيل اليوم تنعى قتلاها، وقد ظهرت معاناتُها في دموع وزير المالية سموتريتش الذي “يتنقّل بين جنازة وأخرى، مؤكداً ان بلاده تدفع ثمناً لا يتناسب مع حجمها”، والكلام للوزير الإسرائيلي. ولبنان، الخاسر الثاني، عليه الا يدع اسرائيل تحقق نصراً آخر. فهي قد شلّت نصف قدرة الحزب العسكرية والمادية، وتعمل على تغيير وجهة الحرب الى الداخل اللبناني المفكّك، من خلال النصف الثاني. من هنا على اللبنانيين التماسك وعدم تحقيق برنامج اسرائيل التي لها عملاء أكثر ممّا لها مؤيّدين في بلدها، وعلى الحكومة اللبنانية تدبير أمر النازحين قبل حلول المطر، كي لا يقع المحظور في الداخل.
هل سينتهي كابوس لبنان قبل نهاية العام؟ وهل ستترك طيورُ الظلام سماءَ بيروت، بعدما “تغندرت” وقسّمت الشعب اللبناني بين هارب من وجهها ومؤيّد لها؟ الهارب هو، اليومَ، خسران. والمؤيّد سيخسر غداً إذا انتصر الاسرائيلي، الذي يبصق في كل مناسبة دينية في وجه رجال الدين المسيحيين والمسلمين امام كنيسة المهد والمسجد الأقصى، لأن مشروع “دولة اليهود الكبرى” لا يحترم الا ديانتها. فعلى اللبنانيين الرجوع الى التاريخ، لأن “مَن صلبَ المسيح، سيصلب كلَّ ليلة… شعبي”.