فن السفالة الأنيقة.. تعريف جديد للسياسة

 

✍️ أحمد محارم

ما تمارسه إسرائيل اليوم بقيادة بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لم يعد سياسة بالمعنى التقليدي، بل هو فن السفالة الأنيقة، إعادة تدوير وقحة للمفاهيم، وصناعة أوضاع لا سند لها في قانون ولا مكان لها في ضمير إنساني حي، حيث تُغتال القيم بعبارات منمقة، وتُرتكب الجرائم تحت لافتة الشرعية، وتُصبغ الخيانة بلونٍ مخمليّ يخفي خنجرًا مسمومًا في خاصرة الشعوب.
وإسرائيل بقيادة نتنياهو ليست سوى المثال الأوضح لهذا الفن القبيح المتجمل.

استباحة الجغرافيا العربية

السابع من أكتوبر كان الزلزال الذي هزّ إسرائيل من الأعماق، وما فعلته حماس أعاد الأسئلة الكبرى إلى الطاولة، وأجبر العالم على مواجهة حقيقة حاولت تل أبيب طمسها وهي أن غزة تحوّلت إلى سجن مفتوح لا تُطاق فيه الحياة.
وحين قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمته في مجلس الأمن: على إسرائيل أن تسأل نفسها ما الذي دفع حماس لما فعلت؟ كان صوته صرخة ضمير في وجه نظامٍ جعل الحياة جحيمًا، لكن الرد الإسرائيلي لم يكن سوى غطرسة مضاعفة، إذ طالب مندوبها باستقالة غوتيريش فورًا.

ولعل وقاحته تستمد جذورها من عقدة تاريخية دفينة، فالأرض التي بنيت عليها الأمم المتحدة نفسها كانت ملكًا لروكفلر اليهودي، وقد بيعت لبلدية نيويورك مقابل دولار واحد، وهكذا يظن الإسرائيلي أنه يقف في مجلس الأمن على “أرضه”، فيُطلق وقاحته بلا حساب، ليظل شبح “الملكية اليهودية” يطارد مقاعد القرار الدولي.

ثم جاءت الدوحة، لتكشف قناعًا آخر من وجوه الغطرسة، فقد سمّى نتنياهو عمليته هناك “يوم الحساب”. لكن أي حساب؟! ومع من؟! الواقع أنه لم يكن سوى إعلان لاستباحة الجغرافيا العربية بلا استثناء، من غزة إلى بيروت، ومن دمشق إلى صنعاء، وصولًا إلى تونس. لم يعد الأمر مجرد سياسة عدوانية، بل مشروع استباحة شاملة، يريد فرض وقائع جديدة بالدم والنار.

واشنطن .. من القيادة إلى التبعية

الأخطر من ذلك أن هذا المشروع يجد ظهرًا وسندًا في واشنطن. إدارة ترامب تحديدًا مثّلت الوجه الحقيقي لهذا التحالف اليميني المتطرف، لم تعد أمريكا منسقًا للشرق الأوسط بل تابعًا مطيعًا لرغبات إسرائيل.

حين سقطت الضربة على قطر—الحليف الاستراتيجي لواشنطن—انتظر العالم إدانة واضحة، لكن ما جاء لم يكن سوى كلمات أسف باهتة من ترامب، قبل أن يذهب مع وزرائه إلى العشاء في مطاعم واشنطن.
كانت الرسالة صريحة وفاضحة: إسرائيل أولًا.. وأمريكا ثانيًا.

اليوم تقف الجغرافيا العربية كلها على حافة الخطر. لم يعد السؤال: هل نستطيع حماية أوطاننا؟ بل هل نحن أمام مقدمات خروجنا من التاريخ؟ وفي الداخل الأمريكي، يرفع تيار “ماجا” شعار أمريكا أولًا، لكنه في الممارسة الفعلية يطبق إسرائيل أولًا.
لقد آن الأوان أن نقرأ المشهد كما هو، بلا أوهام ولا مساحيق تجميل. فالسياسة اليوم لم تعد فنّ الممكن، بل تحوّلت إلى فنّ السفالة الأنيقة: خيانة تتعطّر بالأناقة، جريمة ترتدي ثوب الشرعية، وخنجر مسموم يُغرس في خاصرة الشعوب باسم الأمن والسلام.

إنها مرحلة الانحطاط القصوى، حيث تُباع الأوطان في مزادات المصالح، وتُشترى المواقف بثمنٍ بخس، بينما يُدفن الحق حيًّا تحت أقدام القوة، والتاريخ، وهو يقطر دمًا، يكتب بصرامة قاسية:
إما أن نصحو ونستعيد زمام مصيرنا، أو نُساق صاغرين إلى المقصلة، ونُمحى من الخريطة مدفونين خارج الزمن بلا أثر ولا اسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى