انقلاب وتظاهرات للجيل زد.. تفاصيل ما يجري في مدغشقر

قادة الجيش في القصر الرئاسي بمدغشقر (أ ف ب)
عين اخبار الوطن – العربية
تسارعت التطورات السياسية في مدغشقر اليوم الثلاثاء، بعدما أعلن الجيش توليه السلطة في الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، إثر فرار الرئيس أندري راجولينا من البلاد، في ذروة احتجاجات شبابية عارمة شاركت فيها فئات واسعة من المواطنين وانضمت إليها وحدات من الجيش وقوات الأمن.
انقلاب عسكري بعد تصويت برلماني
وقال الكولونيل مايكل راندريانيرينا، في تصريح للإذاعة الوطنية إن الجيش قرر “تولي السلطة” بعد أن صوت مجلس النواب على عزل الرئيس قبل دقائق فقط من بيانه.
كما أوضح أن الجيش حلّ جميع مؤسسات الدولة باستثناء المجلس النيابي الذي أقرّ قرار العزل، مشيراً إلى أن مجلساً مؤقتاً من ضباط الجيش وقوات الدرك سيتولى إدارة البلاد، على أن يُعيّن رئيس وزراء لتشكيل حكومة مدنية في أقرب وقت ممكن. وأكد راندريانيرينا أن الخطوة جاءت “استجابة لمطالب الشعب” الذي يطالب منذ أسابيع باستقالة الرئيس، مضيفاً أن الجيش سيسهر على “إعادة النظام العام وضمان استمرار المرافق الحيوية”
فرار الرئيس إلى الخارج
في المقابل، أعلن أندري راجولينا في كلمة مصوّرة بُثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه انتقل إلى “مكان آمن” حفاظاً على حياته، من دون تحديد موقعه. ونقلت إذاعة فرنسا الدولية (RFI) أن الرئيس غادر البلاد يوم الأحد على متن طائرة عسكرية فرنسية إلى وجهة غير معلومة، بموجب اتفاق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقالت مصادر دبلوماسية إن راجولينا كان قد فقد السيطرة على الوضع في العاصمة أنتاناناريفو بعدما انضمت وحدة النخبة في الجيش المعروفة باسم “كابسات” إلى المتظاهرين، ودعت إلى “رفض إطلاق النار على الشعب”.
وتُعد هذه الوحدة نفسها التي ساعدته على الاستيلاء على الحكم عام 2009 عقب انقلاب عسكري أطاح حينها بالرئيس مارك رافالومانانا.
احتجاجات “الجيل زد”
أتى ذلك، بعدما اندلعت المظاهرات في 25 سبتمبر بسبب نقص المياه والكهرباء، قبل أن تتوسع لتتحول إلى انتفاضة ضد الفساد وسوء الإدارة وغلاء المعيشة.
فيما تصدّر الاحتجاجات شبان من الجيل “زد” الذين استلهموا حركات احتجاجية مشابهة في نيبال وسريلانكا، مطالبين برحيل الرئيس ومحاسبة المسؤولين عن تدهور الخدمات. بينما انتشرت في شوارع العاصمة لافتات معادية لفرنسا كتب عليها “اخرجي يا فرنسا” و”راجولينا وماكرون ارحلا”.
في حين أفادت الأمم المتحدة بمقتل 22 شخصاً على الأقل وإصابة نحو مائة بجروح خلال الأسابيع الأولى من الاضطرابات،
قرارات متناقضة
وفي خضم الفوضى، أصدر راجولينا مرسوماً رئاسياً أعلن فيه حل الجمعية الوطنية، قبل لحظات من تصويت النواب على عزله، في محاولة واضحة لقطع الطريق على أي تحرك دستوري ضده. وكتب في منشور على صفحته الرسمية أن قراره “ضروري لإعادة النظام إلى البلاد وتعزيز الديمقراطية”، مؤكداً أنه “لن يستقيل”.
لكن الخطوة لم تمنع البرلمان من المضي في التصويت، حيث صوّت أغلبية أعضائه على عزله بتهمة “التهرّب من واجباته الدستورية”، ليتحوّل الصراع من الشارع إلى مواجهة مفتوحة بين مؤسسات الدولة.
انهيار التحالفات العسكرية والسياسية
وتزايدت عزلة راجولينا خلال الأيام الماضية بعد انشقاق وحدات من الجيش وانضمامها إلى المتظاهرين. وأكدت مصادر في رويترز أن الرئيس فقد دعم وحدة النخبة التي كانت تشكل ركيزة حكمه، ما جعل بقاءه في السلطة شبه مستحيل.وقالت أوساط معارضة إن الرئيس المنتخب عامي 2018 و2023 فقد شرعيته بسبب “القمع والفساد”، بينما يتهمه خصومه بأنه “خان الدستور” عبر سعيه إلى تعديل القوانين لتمديد بقائه في الحكم.
خلفية اقتصادية واجتماعية
تأتي الأزمة السياسية في وقت تعاني فيه مدغشقر من انهيار اقتصادي حاد، إذ يعيش نحو 80 بالمائة من سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة تحت خط الفقر، بأقل من 3 دولارات يومياً. كما تشهد البلاد تدهوراً في الخدمات الأساسية، وارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخم، ونقصاً حاداً في المياه والكهرباء.
تاريخ طويل من الانقلابات
ويُعيد هذا الانقلاب إلى الأذهان سلسلة الأزمات التي عرفتها البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، إذ شهدت مدغشقر أكثر من ثلاثة انقلابات عسكرية خلال العقود الماضية، كان آخرها في عام 2009 عندما أطاح راجولينا نفسه بالرئيس رافالومانانا.
ففي ظل غياب سلطة شرعية واضحة، باتت البلاد تواجه فراغاً دستورياً خطيراً قد يُغرقها في مرحلة انتقالية جديدة. وبحسب دستور مدغشقر، يفترض تنظيم انتخابات تشريعية خلال 60 إلى 90 يوماً بعد حل البرلمان، لكن المراقبين يشككون في إمكانية إجراء أي اقتراع في ظل سيطرة الجيش واحتدام الشارع.