الفدرالي يستعد لخفض معدلات الفائدة وسط تزايد القلق من غياب البيانات الأميركية

رئيس الفدرالي الأميركي، جيروم باول
عين اخبار الوطن – CNBC
الفدرالي يستعد لخفض معدلات الفائدة وسط تزايد القلق من غياب البيانات الأميركية
يدخل الفدرالي الأميركي اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل ورؤيته للوضع الاقتصادي غير واضحة بسبب الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية، الذي أدى إلى تعليق نشر البيانات الاقتصادية الرئيسية، في وضعٍ غير مثالي لصنّاع السياسة المنقسمين حول المخاطر التي تستحق الأولوية.
فمنذ بدء الإغلاق الحكومي في الأول من أكتوبر تشرين الأول، لم تُنشر أي بيانات رسمية بشأن التوظيف، لكن المعلومات المتاحة حتى الآن تشير إلى استمرار ضعف نمو الوظائف.
وأظهر التقرير الميداني الاقتصادي الذي يُعدّه الفدرالي –وهو لا يزال جارياً بصفته مؤسسة تموّل نفسها ذاتياً– مؤشرات على تراجع محتمل في إنفاق المستهلكين، بينما أظهرت استطلاعات ثقة الأعمال الأخيرة تراجعاً في المعنويات.
لكن الشركات تحذّر في الوقت نفسه من زيادات قادمة في الأسعار، في وقتٍ لا تزال فيه معدلات التضخم أعلى من مستهدف الفدرالي البالغ 2%. كما يجري رفع تقديرات النمو الاقتصادي الكلي مع اتضاح حجم الاستثمارات التجارية، فيما بدأ خبراء الاقتصاد يتحدثون عن احتمال حدوث دفعة قوية للنشاط الاقتصادي خلال العام المقبل مع دخول قوانين ضريبية جديدة حيّز التنفيذ، تتضمن إعفاءات من الضرائب على الدخل الناتج عن الإكراميات والعمل الإضافي، ما قد يزيد من قيمة المبالغ المستردّة للأسر.
تركيز الفدرالي على سوق العمل
تتوقع الأسواق المالية أن يخفض البنك المركزي الأميركي معدل الفائدة الأساسي بمقدار ربع نقطة مئوية ليصل إلى نطاق بين 3.75% و4.00% خلال اجتماعه للسياسة النقدية المقرر في 28 و29 أكتوبر تشرين الأول.
غير أنّ المسؤولين في الفدرالي وخبراء الاقتصاد «يتحركون من دون رؤية واضحة»، بحسب ما قال ديفيد سيف، كبير الاقتصاديين للأسواق المتقدمة في بنك «نومورا».
وأضاف لرويترز: «السؤال الكبير الآن هو ما الذي يحدث في سوق العمل، ولا يمكننا معرفة ذلك قبل صدور تقرير الوظائف الشهري من مكتب إحصاءات العمل»، وهو التقرير الذي تأجّل نشره بسبب الإغلاق الحكومي، ما يعني أنّ مسؤولي الفدرالي لم يحصلوا على قراءة كاملة لأوضاع سوق العمل منذ أوائل سبتمبر أيلول.
ركّز كبار مسؤولي البنك المركزي الأميركي، بمن فيهم رئيس الفدرالي جيروم باول، في تصريحاتهم الأخيرة على أوضاع سوق العمل، حيث تراجع نمو الوظائف إلى متوسط شهري يبلغ 29 ألف وظيفة خلال الفترة من يونيو حزيران إلى أغسطس آب، وهو مستوى أدنى بكثير من متوسط النمو الذي كان سائداً قبل جائحة «كوفيد-19».
كما ظهرت مخاطر جديدة، من بينها إفصاحات مصرفين عن خسائر في القروض أثارت اضطراباً في أسواق الأسهم، وتجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما قد يعرقل ما كان مسؤولو الفدرالي يأملون أن يكون بداية لتوضّح قواعد التجارة العالمية الجديدة.
ومن المقرر أن تصدر الوكالة الإحصائية التابعة لوزارة العمل الأميركية مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر أيلول في 24 أكتوبر تشرين الأول، بعد أن أمرت إدارة ترامب بعودة بعض الموظفين إلى العمل لضمان إتاحة بيانات التضخم الخاصة بالشهر الماضي، وذلك لتحديد الزيادة السنوية في إعانات الضمان الاجتماعي.
ويقدّر خبراء الاقتصاد الذين استطلعت «رويترز» آراءهم أنّ المؤشر ارتفع بنسبة 3.1% على أساس سنوي في سبتمبر أيلول، وهو تسارع مقارنةً بالشهر السابق، ورقمٌ من المرجّح أن يُبقي على مخاوف بعض صانعي السياسة بشأن مدى ملاءمة الاستمرار في خفض معدلات الفائدة.
مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي
ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يستخدمه الفدرالي لقياس التضخم المستهدف، من أدنى مستوى له عند 2.3% في أبريل نيسان إلى 2.7% في أغسطس آب، وفقاً لأحدث تقرير متاح.
ويتوقّع مسؤولو الفدرالي أن يختتم المؤشر العام الجاري عند مستوى 3.0% قبل أن يبدأ في التراجع خلال عام 2026، غير أنّ بعض صانعي السياسة يرون أنّ هذا الاتجاه قد ينطوي على خطر تفاقم مشكلة التضخم، إذ باتت الأسر والشركات تعتاد على وتيرة ارتفاعٍ للأسعار تفوق مستهدف 2%، وهو ما استمر طوال الأعوام الأربعة والنصف الماضية.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في كانساس سيتي، جيفري شميد، وهو عضوٌ يملك حق التصويت في لجنة السياسة النقدية هذا العام، إنّه يرى أنّ معدل الفائدة الحالي «في المستوى المناسب»، إذ لا يزال مرتفعاً بما يكفي ليمارس ضغوطاً هبوطية على التضخم.
غير أنّ مدى قوة تلك الضغوط يبقى موضع نقاش، وهو نقاش ستزداد أهميته مع استمرار تعطل تدفق البيانات الحكومية بمرور الوقت.
تتبّع التضخم خلال الإغلاق الحكومي أصبح أكثر صعوبة
يعتمد مسؤولو الاحتياطي الفدرالي على بيانات حكومية حديثة لتأكيد توقعاتهم الاقتصادية أو لتعديلها، رغم اختلاف آرائهم حول وضع الاقتصاد؛ إذ يُبدي جيفري شميد، رئيس الاحتياطي الفدرالي في كانساس سيتي، قلقاً من التضخم، في حين يرى العضو الجديد في مجلس المحافظين ستيفن ميران أنّ معدلات الفائدة الحالية مرتفعة جداً وأنّ التضخم على وشك التراجع.
ورغم امتلاك الفدرالي أدوات بديلة لمتابعة أوضاع سوق العمل بعيداً عن بيانات وزارة العمل —مثل طلبات إعانات البطالة على مستوى الولايات أو تقارير التوظيف الصادرة عن القطاع الخاص— إلا أنّ الخيارات البديلة لرصد التضخم تبقى محدودة للغاية.
ولا تزال بعض التقارير الخاصة بالإنتاج واتجاهات الشركات والأسر تصدر بانتظام، لكن البيانات الحكومية الشهرية حول الاستهلاك والإنفاق، إلى جانب التقارير الفصلية الشاملة للناتج المحلي الإجمالي، والتي كان يُفترض تحديثها لاحقاً هذا الشهر، لن تكون متاحة إذا استمر الإغلاق الحكومي.
حتى البدائل الأخرى، مثل قواعد البيانات الضخمة التي تجمع معاملات البطاقات الائتمانية الصادرة عن البنوك، تُعد مكملة للبيانات الحكومية وليست بديلاً حقيقياً لها، بحسب ما قاله رئيس الاحتياطي الفدرالي في ريتشموند، توماس باركين، الأسبوع الماضي.
وأضاف باركين خلال كلمته أمام «جمعية ريتشموند لاقتصاديات الأعمال»: «تلك البيانات جيدة ومفيدة، لكنها ليست شاملة ولا دقيقة بالدرجة الكافية. هل هناك من لا يملك بطاقة ائتمان؟ نعم، إنهم الـ25% من السكان الذين يملكون أقل قدر من المال».
فهذه التفاصيل الدقيقة التي تتضمنها التقارير الحكومية هي ما يشكّل رؤية صانعي السياسة الاقتصادية. فتباطؤ نمو الوظائف، على سبيل المثال، يُفسَّر بطريقة مختلفة إذا كان ناتجاً عن ضعف في النشاط الاقتصادي، أو إذا كان سببه نقص في العمالة نتيجة تشديد سياسات الهجرة. ويضمّ التقرير الشهري للوظائف الصادر عن وزارة العمل تقديرات لأعداد العاملين المولودين داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهي بيانات لا تتوفر في التقارير الصادرة عن القطاع الخاص.
كما أنّ تقارير التضخم المتنوعة، والتي سيتوقف نشرها بعد صدور مؤشر أسعار المستهلك المقبل إذا استمر الإغلاق، تحتوي على كمّ هائل من البيانات الأساسية لعمل الفدرالي
وقال عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي كريستوفر والر الأسبوع الماضي إنّ «الظرف الحالي بالغ التعقيد»، إذ تشير البيانات الخاصة إلى استمرار ضعف التوظيف، في حين يُحتمل أن يشهد النمو الاقتصادي تسارعاً. وأوضح أنّ الاستثمار التجاري العام يتوسع، لكنه يبقى محدوداً خارج نطاق الاندفاع نحو قطاع الذكاء الاصطناعي، وأنّ أسواق الأسهم تشهد ارتفاعاً في حين تبقى معدلات الرهن العقاري مرتفعة، مشيراً إلى أنّ الأسر الأكثر ثراءً تواصل الإنفاق، بينما تميل الأسر الأخرى إلى البحث عن الصفقات الأرخص للتأقلم مع الأسعار المرتفعة.