لبنان : تغيير في قواعد الاشتباك الإسرائيلية… وإسقاط قاعدة «تحييد المدنيين»

السيارة التي استُهدفت في راشيا الوادي ما أدى إلى مقتل شخصين (الوكالة الوطنية للإعلام)

عين اخبار الوطن – الشرق الأوسط

امتداد لمسار تصاعدي… وتوقعات بتكثيف الضربات في المرحلة المقبلة

تتصاعد الضربات الإسرائيلية داخل القرى والبلدات الجنوبية بوتيرة غير مسبوقة، لترسم مجدداً ملامح الحرب على الأرض. فبعدما كانت الغارات تتركّز في المساحات المفتوحة، انتقلت إلى عمق المناطق السكنية، لتعيد إلى الواجهة مشاهد الإنذارات المسبقة والنزوح الجماعي، كما حدث الخميس مع نزوح آلاف الجنوبيين إثر طلبات الإخلاء وما تبعها من غارات طالت أحياء مأهولة، بحيث لم تعد السيارات ولا الأحياء السكنية بمنأى عن الاستهداف.

وبينما ساد الهدوء الحذر الجمعة في الجنوب بعد يوم تصعيدي غير مسبوق، عادت الاستهدافات السبت؛ إذ سُجّل سقوط قتيلين ظهراً إثر استهداف سيارة في راشيا الوادي، وهما شقيقان من بلدة شبعا، كما أصيب سبعة أشخاص باستهداف سيارة بصاروخين موجهين قرب «مستشفى صلاح غندور» في مدينة بنت جبيل، وتلا ذلك غارة ثالثة استهدفت سيارة في بلدة برعشيت في منطقة النبطية.

وتأتي هذه الأحداث امتداداً لمسار تصاعدي في نمط الاستهداف الإسرائيلي، الذي شهد خلال الأشهر الأخيرة انتقال العمليات إلى داخل المناطق المأهولة، من حي البياض في النبطية إلى زبدين ومفرق الشرقية – الدوير، وصولاً إلى مجزرة بنت جبيل أواخر سبتمبر (أيلول) 2025 التي أودت بحياة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال.

تغيّر في قواعد الاشتباك

كانت إسرائيل، وفق ممارسات سابقة، تفضّل ضرب الأهداف العسكرية حين تكون منفصلة عن النسيج المدني لتقليل الخسائر الجانبية. اليوم تبدو القاعدة في طور الانهيار؛ باستهداف سيارات داخل الأحياء، وتفجير منازل في الفجر، وضرب تجمعات مدنية. هذا الانتقال لا يحمل أبعاداً تكتيكية فقط، بل يعكس خياراً استراتيجياً يرتبط بمحاولات تل أبيب رفع تكلفة الاحتضان الشعبي لـ«حزب الله»، وخلخلة التماسك الاجتماعي في مناطق التماس.

أهداف التصعيد

في السياق، رأى العميد المتقاعد سعيد قزح في تصريحٍ لـ«الشرق الأوسط»، أنّ إسرائيل لم تغيّر استراتيجيتها إطلاقاً، مشيراً إلى أنّ هدفها الثابت يبقى «إخضاع (حزب الله) ومحور الممانعة لإرادتها، من إيران إلى العراق واليمن وفلسطين وصولاً إلى لبنان». ولفت إلى أنّ إسرائيل «تسعى قبل كل شيء إلى تأمين أمن مستوطني شمال إسرائيل»، موضحاً أنّها تعتمد في تحقيق ذلك على تكتيك الاستهداف المركّز لما تعتبره أهدافاً عسكرية من مقاتلين ووسائل قتالية ومخازن أسلحة وذخائر، «حتى لو كان ذلك في مناطق مأهولة، وبغضّ النظر عن وجود مدنيين أو سقوط ضحايا تعتبرهم أضراراً جانبية». وأشار إلى أنّ «هذا السلوك ليس جديداً، وقد رأيناه بوضوح في غزة، حيث لم تولِ إسرائيل أي اعتبار فعلي لأرواح المدنيين».

وأكد قزح أنّ إسرائيل تعمل على تكثيف ضرباتها في المرحلة الحالية والمتوقعة خلال الشهرين المقبلين، متوقعاً «زيادة الاغتيالات والاستهدافات لعناصر ومراكز تابعة لـ(حزب الله) حتى ضمن تجمعات مدنية»، وذلك في إطار ما وصفه بـ«مقاربة مزدوجة تقوم على الضغط العسكري والحرب النفسية»، معتبراً أنّ الهدف هو «إضعاف البيئة الحاضنة للحزب ودفع جزءٍ من جمهوره إلى التساؤل عن جدوى الاستمرار في هذا المسار، خصوصاً مع تكرار الأضرار البشرية والمادية وغياب ردٍّ مباشر من الحزب يغيّر المعادلة».

وأضاف أنّ إسرائيل «لا تكترث لمسألة الضحايا المدنيين، ولا أحد يحاسبها على ذلك»، لافتاً إلى أنّها «ستستمر في استهداف ما تعتبره أهدافاً عسكرية في أي منطقة من لبنان، سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع أو الجبل أو كسروان»، ما دام «حزب الله» لم يعلن التزاماً واضحاً بـ«حصرية السلاح بيد الدولة، ولم ينخرط كلياً في مشروع الدولة، ولم يلتزم بتنفيذ قرار الحكومة الصادر في الخامس من أغسطس (آب) الماضي».

واعتبر أنّ «إسرائيل توظّف الضغط العسكري والنفسي معاً، وتستخدم كل الوسائل المتاحة لفرض معادلتها، على قاعدة أنّ وقف هذا المسار يتطلّب التزاماً لبنانياً واضحاً بحصرية السلاح، وتنفيذ القرارات المتّخذة على مستوى الدولة».

خطاب إسرائيلي تصعيدي وتحذيرات استخباراتية

يترافق هذا المسار الميداني مع خطابٍ متشدد في إسرائيل؛ إذ تحدثت وسائل إعلام عبرية عن قلق متزايد من تعاظم قدرات «حزب الله» في شمال لبنان، وأشارت إلى أن «امتناع الجيش الإسرائيلي حتى الآن عن ضرب بيروت (قد لا يدوم) إذا استمرت عمليات التعزيز». ونقلت صحيفة «هآرتس» عن تقارير استخباراتية تحذيراتٍ مفادها أن «الحزب يعمل على استعادة قدراته، وأن هذا قد يدفع الجيش الإسرائيلي إلى توسيع أنشطته لمنع مخاطر مستقبلية». كما ذكرت تقارير أن «تقديرات غربية ترصد استعادة جزئية لشبكات الإمداد لدى الحزب عبر سوريا والعراق، في حين يواجه الجيش اللبناني تحديات بمنعه من إعادة تأهيل بنيته القتالية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى