السعي وراء الشهرة عبر وسائل التواصل.. تحذير من “خلط المحتوى الصالح بالطالح”

 

عين اخبار الوطن

خلال الفترة الماضية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا لـ”المحتوى غير الهادف”، بينما يكشف ناشطون وخبراء لموقع “الحرة” عن أسباب ذلك الانتشار وآثاره وتداعياته على مستخدمي تلك المواقع خاصة والمجتمع عامة.

لماذا انتشر “المحتوى غير الهادف”؟

تتحدث مدربة التربية الإيجابية والمؤثرة على منصة إنستغرام، شيماء علي، عن تغيير الهدف الذي تم إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي من أجله، لتتحول إلى “منصات لتحقيق الأرباح بأي وسيلة”.

وخلال فترة الإغلاق التي صاحبت تفشي جائحة كورونا، بدأ البعض في الإقبال على نشر محتوى “هزلي” بهدف الترفيه عن الناس، قبل أن ينتشر ذلك خالقا نوعا جديدا من المؤثرين المعتمدين على “المحتوى التافه” بهدف تحقيق أرباح مالية، حسبما توضح لموقع “الحرة”.

وتشير إلى معضلة تتعلق بـ”بحث البعض عن الربح السريع الذي دفعهم لتقديم محتوى غير مفيد، بينما تراجع المحتوى الهادف، لأنه لا يحقق نفس المردود المالي”.

وبسبب “المردود المالي العالي والربح السريع” اتجه الكثيرون لتقديم ذلك النوع من المحتوى، ويتزايد عدد هؤلاء بشكل مطرد، ما تسبب في اعتياد مستخدمي مواقع التواصل على مشاهدة “المحتوى التافه”، حسب توصيفها.

ومن جانبها توضح المؤثرة على منصة “تيك توك”، رشا سمير، أن “البحث عن الربح السهل والسريع، دفع الكثير من مستخدمي مواقع التواصل إلى تقديم محتوى هابط”.

وبحثا عن “الربح المادي والشهرة” يتم استخدام “كافة السبل” لاستقطاب المشاهدين، فاختلط “المحتوى الصالح بالطالح”، حسب حديث “التيكتوكر” لموقع “الحرة”.

وترى أن البحث عن “الأرباح” قد أفقد مواقع التواصل “خصوصيتها”، وسط تنافس بين المؤثرين على جذب المشاهدين بأي طريقة، ما تسبب في “انتشار المحتوى الهابط” عبر العديد من تلك المنصات.

ما يطلبه “الجمهور”؟

يرجع خبير تكنولوجيا المعلومات، أيمن عيتاني، انتشار المحتوى “غير الهادف” عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لـ”توجهات الجماهير”.

وتحصد مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الأرباح عن تقديم “محتوى رائج “، وبالتالي فهي تشجع من خلال الخوارزميات صانعي المحتوى على تناول الموضوعات الرائجة، وفقا لتصريحاته لموقع “الحرة”.

ويشير عيتاني إلى “قلة الجمهور المهتم بالمواضيع الثقافية أو السياسية أو العلمية وغيرها من حقول المعرفة الجادة”، وبالتالي لا تسعى وسائل التواصل لنشرها، ما يدفع المؤثرين لـ”العزوف عن إنتاج ذلك المحتوى”.

وتحث مواقع التواصل على تقديم ذلك “المحتوى الترفيهي الخفيف” والذي يلقى تجاوبا أكبر لدى شرائح مختلفة من المجتمع، ما يجعل المؤثرين يقبلون على إنتاج ذلك المحتوى بشكل أكبر، حسبما يوضح خبير تكنولوجيا المعلومات.

هوس الشهرة؟

وترى الباحثة بالأمن الفكري، فهدة العريفي، أن البحث عن الشهرة ومسمى “مشهور” أصبح مهنة من لا مهنة له بصرف النظر عن المحتوى الذي يقدمه أو سبب شهرته.

ونتيجة لذلك تتكون “قاعدة جماهيرية” واسعة لمشاهير كثير منهم لا يقدمون “محتوى مفيد” ويتلاعبون بأفكار العامة، وخاصة الشباب ويؤثرون على سلوكياتهم، وفقا لحديثها لموقع “الحرة”.

وتوضح الباحثة بالأمن الفكري أن “زيادة نسب المشاهدات والحفاظ عليها” بات هاجسا لدى الكثيرين من صناع المحتوى، ما يدفع لفعل “أي شيء وبأي طريقة”.

وبحسب العريفي فإن “تيك توك” أصبح أكثر المنصات التي تقدم “محتوى غير مفيد وتافه”، ويرجع ذلك للمقابل المادي الذي يحظى به البث والمحتوى المنشور على المنصة.

وتشير إلى تحول “تيك توك” إلى منصة لـ”الممارسات السلبية والتسول غير المباشر والترويج لتجارة المخدرات”.

الأرباح كلمة السر؟

في عام 2023، وصل عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم إلى رقم قياسي يقدر بنحو 4.9 مليار، وفقا لتقرير لمجلة “فوربس“.

ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى ما يقرب من 5.85 مليار مستخدم، بحلول عام 2027، حسب المجلة.

وترتبط الأرباح التي يحققها المؤثرون على مواقع التواصل بعدد “المتابعين” لحساباتهم المختلفة على المنصات المختلفة، وفقا لموقع “بيزنيس دوت كوم“.

وهناك ثلاثة أنواع من المؤثرين على مواقع التواصل، أولهم “النانويون” والذين يمتلكون 10 آلاف متابع أو أقل ويكسبون حوالي 195 دولارا لكل مشاركة.

والنوع الثاني، هم “المؤثرون من الطبقة المتوسطة”، ولديهم ما بين 10 آلاف إلى مليون متابع ويكسبون حوالي 1221 دولارا لكل منشور.

أما النوع الثالث فهم “المؤثرون أصحاب النفوذ الكلي”، والذين لديهم أكثر من مليون متابع ويكسبون حوالي 1804 دولارات لكل منشور.

وحسب “بيزنيس دوت كوم”، فإن المؤثرين على موقع “إنستغرام” يحققون ١٠٠ دولار لكل ١٠ آلاف متابع.

ووفق للإحصائيات التي نشرتها  “فوربس”، فإن تطبيق “تيك توك” الصيني قد حقق إيرادات بقيمة 350 مليون دولار، في الربع الرابع من عام 2022، ليتفوق بسهولة على منصات فيسبوك وإنستغرام وتويتر (إكس حاليا) وتطبيق “سناب تشات”، والتي حققت في نفس الفترة 205 ملايين دولار.

وفي عام 2022، وصل إجمالي الإيرادات في سوق الشبكات الاجتماعية إلى 124.60 مليار دولار، وفق موقع “ستاتيستا” المختص بإحصاءات بيانات السوق.

ومن المتوقع أن تبلغ أرباح شركات التواصل الاجتماعي 183.10 مليار دولار، بحلول عام 2027، حسب المصدر ذاته.

ويكشف خبير التسويق الرقمي، محمود عبدالهادي، تلقي كل من المؤثرين والشركات “أرباحا ومكاسب خيالية مقابل المحتوى الذي يتم تقديمه عبر تلك المنصات”.

ولكي تصبح مؤثرا وتحقق أرباحا من وراء ذلك، يكفي أن تمتلك 10 آلاف متابع، ما جعل البعض يتهافت على “شراء متابعين وهميين” أو تقديم محتوى “غير مفيد”، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.

ويشير عبدالهادي إلى أن موقع يوتيوب يحتل “المرتبة الأولى” من حيث المبالغ التي يحصل عليها المؤثرون عبر مواقع التواصل.

ويمكن أن تصل أرباحهم من يوتيوب إلى 300 ألف دولار شهريا، في حال امتلاك قناة يزيد عدد مشتركيها عن 7 ملايين مشترك.

وفيما يتعلق بفيسبوك، فإذا كان عدد المتابعين يزيد عن 7 ملايين متابع، يمكن للمؤثر أن يحقق أرباحا تصل إلى 180 ألف دولار شهريا، حسب خبير التسوق الرقمي.

ويوضح أن أرباح تطبيقي “إنستغرام” و”سناب شات” تكاد تكون واحدة، حيث يمكن للمؤثر الذي يمتلك  7 ملايين متابع تحقيق 150 ألف دولار شهريا.

وبحسب عبد الهادي، فإن المؤثر الذي يمتلك 7 ملايين متابع على تطبيق “أكس”، تويتر سابقا، قد يحقق ٥٠ ألف دولار شهريا.

ومن جانبها، تكشف رشا سمير، عن ارتباط “العائد المالي” لتيك توك بـ”الدعم والهدايا الافتراضية”، وتقول إن “متوسط صافي الأرباح للتيكتوكر يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف دولار يوميا”.

ولا توجد إحصاءات دقيقة لأرباح “تيك توك” من وراء المحتوى الذي يقدمه المؤثرين، لكن التيكتوكر ترجح حصول التطبيق على 70 بالمئة من الأرباح التي يحصل عليها هؤلاء.

ويوضح الباحث في شؤون التكنولوجيا الحديثة، أمين رغيب، كيفية تحول “الهدايا الافتراضية” بتيك توك إلى نقود وأرباح بشكل لاحق.

ويتحدث لموقع “الحرة”، عن شراء المستخدمين هدايا افتراضية عبر بطاقاتهم الائتمانية أو بطاقات مسبقة الدفع وغيرها من وسائل الدفع الإلكتروني، ليتم منحها لاحقا للمؤثرين.

وبعد ذلك تستبدل تلك الهدايا بأموال يتم تحويلها مباشرة إلى حسابات المؤثرين المصرفية أو عبر شركات تحويل الأموال مثل “ويسيرن يونيون”.

تداعيات “سلبية”

تتحدث فهدة العريفي عن “تداعيات سلبية” لاعتياد المتلقي مشاهدة “المحتوى الهابط” سواءً على المدى القريب أو البعيد.

والمحتوى الذي تتابعه باستمرار سيلقي بتبعاته وظلاله عليك دون أن تشعر، حسبما تشرح الباحثة بالأمن الفكري.

وتتفق معها شيماء علي، التي أكدت “تدني فكري متوقع لمتابعة المحتوى غير المفيد”، ما يهدد “سلامة المجتمع في المستقبل القريب”.

وتشير سمير إلى “مخاطر انتشار المحتوى ذو الجودة المتدنية”، ما يدفع المزيد من المؤثرين أو مستخدمي مواقع التواصل إلى “فعل أي شيء للحصول على المال”.

وبحثا عن تحقيق ربح سريع بلا جهد، يتواصل انتشار المحتوى الهابط، وقد يتزايد ذلك خلال الفترة القادمة، في حال عدم توفر حلول حقيقية لمواجهة ذلك الانتشار المطرد، حسبما توضح التيكتوكر.

ما الحل؟

إذا كان المستخدم يرفض التعرض لذلك المضمون “الهابط” فعليه أن يخبر تلك المنصة أنه لا يحبذ تلك النوعية من المواضيع من خلال تقنيات عدم الإعجاب أو الحظر والتجاهل، وفقا لعيتاني.

ويرى أن التفاعل مع “المحتوى الجيد، والذي يتضمن فوائد وثمارا معرفية جادة، سوف يساعد على انتشاره بين مستخدمين آخرين، لأن خوارزميات تلك المنصات سوف تعتبره مضمونا رائجا يستحق الترويج”.

ومن جانبها، ترى العريفي أن الدور الأكبر يقع على عاتق الأسرة لحماية أبنائها من “المحتوى الهابط”، من خلال متابعتهم وفلترة أذهانهم من الشوائب التي يشاهدونها.

وعلى المُتابِع كذلك مسؤولية انتقاء ما يشاهده فالترفيه الجيد ومقدمو المحتوى المناسب كُثر والخيارات متعددة، حسب الباحثة بالأمن الفكري.

ومن جانبها تشير شيماء علي إلى أهمية “تقديم المحتوى الهادف بطريقة سلسة وبسيطة لجذب الجمهور”.

ونتيجة اعتياد الجمهور على “المحتوى المقدم بشكل خفيف” يجب تقديم المحتوى الهادف بطريقة “غير نمطية”، ويجب على المتلقي أيضا “فلترة المواد التي يقوم بمشاهدتها والابتعاد عن الإسفاف وكل ما يضيع الوقت بلا فائدة أو طائل”، على حد تعبيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى