السودان تصاعد للقتال واتهامات للإمارات.. إلى أين تتجه الأحداث ؟؟

 

عين اخبار الوطن

يحمل استمرار الحرب في السودان مدة أطول تعقيدات كبيرة قد تؤدي إلى انهيار الدولة، حيث تبدو مسألة إيجاد حل للأزمة بعيدة المنال وتمضي نحو مزيد من التلاشي، وسط غياب إرادة الطرفين لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار؛ ما يعقد المشهد بشكل أكبر.

يعد تقسيم السودان أحد السيناريوهات المطروحة لمآلات الحرب الحالية، خاصة في ظل واقع معقد في بلد شهد حروباً استمرت 40 عاماً في جنوبه وغربه وشرقه، فيما ترسل قيادة الجيش السوداني رسائل اتهامات مباشرة للإمارات بدعم المتمردين المتمثلين بقوات “الدعم السريع”، في وقتٍ تحاول مصر جاهدة عدم توسع القتال ووقفه، خشية تأثرها بما قد يترتب على استمرار الحرب.

وبين التجاهل الأمريكي للأزمة السودانية وتركيزه على الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى غزة التي أخذت حيزاً كبيراً من اهتمام البيت الأبيض والعالم، تبقى التساؤلات حول سيناريوهات توسع الحرب، وإمكانية إيقافها أو الدخول في صراع طويل.

تصاعد كبير
يعيش السودان أوضاعاً أمنية وإنسانية خطيرة بسبب القتال الذي تزايدت حدته منذ مطلع ديسمبر الجاري، وهو ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا في أوساط المدنيين، مع تدمير كبير لمنشآت استراتيجية وتدهور مريع في الأوضاع الإنسانية.

وتصاعدت أعمال القتال بعد مغادرة وفدي الجيش السوداني والدعم السريع مدينة جدة السعودية، مطلع ديسمبر الجاري، إثر تعثر جولة مفاوضات حل الأزمة في البلاد، والمستمرة منذ أبريل الماضي، حيث تشهد مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة، وسط البلاد، مواجهات عنيفة بعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع، التي ما تزال تتوغل في مدن الولاية المتاخمة للعاصمة الخرطوم.

وبعد استيلاء قوات الدعم السريع على ود مدني، تجددت المخاوف من تصاعد العنف الجنسي، فيما أطلق ناشطون سودانيون حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لإغاثة النساء السودانيات وإنقاذهن من الحرب التي تخاض كل يوم على أجسادهن.

وفر نحو 300 ألف شخص من ود مدني منذ الـ(15 من ديسمبر الجاري)، ما خلق أزمة إنسانية وخيمة، حسب بيان صدر عن المنظمة الدولية للهجرة.

من جانبها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالسودان (يونيسف)، الخميس 21 ديسمبر، أن حوالي 150 ألف طفل نزحوا من ولاية الجزيرة من جراء القتال بين الجيش و”قوات الدعم السريع”.

أزمة مع الإمارات
ولعل التحركات الإقليمية والدولية في الأزمة السودانية أبرزت دوراً لقوى خارجية، جعل ميزان الحرب ميدانياً يتأرجح في كفتيه بين الطرفين المتحاربين، فقد بدأت نُذر أزمة دبلوماسية مع كل من الإمارات وتشاد هذا الشهر، حيث أمر السودان 15 دبلوماسياً إماراتياً بمغادرة أراضيه عقب طلب الحكومة الإماراتية من السفير السوداني والملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي مغادرة أراضيها.

وسبق أن قال عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا، أواخر نوفمبر الماضي، إن “الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي”

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن “المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع”.

في المقابل يضغط مشرعون أمريكيون من أجل تصحيح ما تشهده الحرب في السودان، حيث أكد تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية (22 ديسمبر 2023)، أن مشرعين اتخذوا خطوة غير عادية، بإرسال رسالة مباشرة لوزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، محذرين من أن تدخل الإمارات في حرب السودان يضر بالعلاقات الأمريكية الإماراتية.

ونقلت عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية قوله: “لقد أثرنا بشكل مباشر مع المسؤولين الإماراتيين مخاوفنا بشأن التقارير عن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع.. أوضحنا وجهة نظرنا أن توفير الأسلحة لأي من الجانبين لن يؤدي إلا لتعميق الصراع”.

وكان تحقيق نشرته “نيويورك تايمز”، في سبتمبر الماضي، ذكر أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بأسلحة “قوية” ومسيرات، لدعم قتالها للجيش السوداني.

ونفت الحكومة الإماراتية سابقاً المزاعم بشأن تسليح قوات الدعم السريع أو أي من طرفي النزاع، وقالت إنها تعمل على وقف الحرب مع جميع الأطراف.

فاقت التوقعات
يرى المختص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، عامر عباس، أن الحرب الدائرة في السودان “فاقت توقعات أطرافها والمهتمين الدوليين من حيث امتدادها الزمني وحجم قوتها التدميرية لبنية المجتمع والدولة في السودان”.

ويؤكد أن الحرب “توسعت معاركها من مركز الدولة في العاصمة الخرطوم لتعصف بإقليم دارفور الذي يضم خمس ولايات وأتى على وسط البلاد ومدن أخرى”، مشيراً إلى أن كل الجهود لإيقافها عبر منبر جدة التفاوضي بالرعاية الأمريكية السعودية، مدعوماً من منظمة “إيغاد” والاتحاد الأفريقي، “لم تفلح”.

وأكد، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أنه رغم توقيع اتفاق إنساني قضى بخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمرافق المدنية ومسارات الطرق “فإنه لم ينفذ من الاتفاق سوى ثلاث هدن قصيرة لم تؤدِّ لبلوغ أهدافها”.

ويعتقد أن التطور العملياتي الخاص بدخول الدعم السريع ولاية الجزيرة والسيطرة على مدنها وقراها “سيكون له أثر كبير على تماسك ووحدة الدولة السودانية، لأنها وسط البلد الجغرافي وممر كل الطرق الرابطة بين شمال وشرق السودان وغربه وجنوبه”.

وعن أسباب ذلك التأثير يقول: “يوجد في تلك المناطق مستودع الاقتصاد الوطني متمثلاً في مشروع الجزيرة الزراعي العملاق، وما لا يقل عن 35٪ من القاعدة الصناعية للبلاد، بجانب مرور أنابيب أطول خطي بترول في شرق ووسط أفريقيا الناقل لنفط السودان ودولة جنوب السودان (خط بترول هجليج وخط بترول الجبلين)”.

وأضاف: “الأثر المترتب على ذلك هو بروز التفوق العسكري للقوة المتمردة على حساب الجيش، مع تعاظم مخاطر انقسام البلاد إذا ما مضى الدعم السريع في خطوات إقامه حكومة موازية للسلطة الشرعية التي يترأسها (قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان، وتنامي خطر التفتت الاجتماعي، مع علو الصوت القبلي”.

ويشير إلى أن خطاب البرهان في بورسودان قبل أيام كان “مخيباً لآمال الشعب، وستكون أي مفاوضات قادمة ضاغطة على قيادة الجيش، وسط مخاوف من مصير ومآلات حرب دخل فيها مال وعتاد وسلاح دول إقليمية ودولية لها أجندات تمثل خطراً وجودياً على السودان”.

وحول مستقبل هذه الحرب يرى أنها تأتي إزاء “موقف كل طرف من أطرافها في ميدان القتال الذي سيعطي المزية النوعية لفرض الشروط والحل وتشكيل ملامح سودان ما بعد الحرب”.

ورغم امتلاك الجيش القوة الكبيرة والتفوق النوعي فإن انتشار الدعم السريع الواسع، “وانفتاح خطوط إمداده الأجنبية، واستعراضه للقوة البشرية من داخل السودان وخارجه، سبب رئيس لتحقيق نتائج ضاغطة على الجيش”.

ولفت إلى أن المفاوضات “هي أمر واقع يساق له الملف السوداني تحت الضغوط الدولية والمنظمات الإقليمية”، متوقعاً “تحريك منبر جدة واستحداث تدخلات فعلية لمنظمة إيغاد، عبر جدة أو منبر آخر، مع بقاء معضلة أن هذه الحرب وصلت إلى مرحلة انعدام الحلول المقسمة بين الطرفين وهي أقرب للتفاوض الصفري”.

فشل مفاوضات.. وتوترات دبلوماسية
ودفعت الاتهامات التي وجهتها الخرطوم للإمارات، تشاد إلى استدعاء السفير السوداني وطالبت باعتذار خلال مدة 72 ساعة عن تصريحات ألقاها العطا، والذي قال إن الأسلحة تصل من الإمارات عبر مطارات في تشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا.

كما تجدد التوتر مؤخراً بين السودان والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيغاد”، إثر رفض الخارجية السودانية نقاطاً “جوهرية” وردت في البيان الختامي للقمة الطارئة لزعماء دول المنظمة التي كرست لبحث الأزمة السودانية، وأقرت خطوات لوقف الحرب.

وأعلنت الخارجية السودانية تحفظها على مسودة البيان الختامي لقمة قادة ورؤساء حكومات “إيغاد”، التي عقدت (9 ديسمبر) في جيبوتي، فيما اشترط البرهان إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، وخروج قوات الدعم السريع من الخرطوم قبل لقاء قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)

وسبق أن رفض السودان رئاسة كينيا للجنة الرباعية في (يوليو 2023)، واتهم رئيسها، وليام روتو، بدعم قائد “الدعم السريع”، وطلب أن يرأس اللجنة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، مع التهديد بالانسحاب من منظمة “إيغاد”، إذا لم يتم تغيير رئاسة كينيا.

ولعل الأبرز مؤخراً، والذي أعاد المواجهات إلى أعنف مما كانت عليه سابقاً، بعدما تبادل طرفا الصراع الاتهامات حول المتسبب في تصعيد العنف، ما أدى إلى تعثر الجولة الثانية من المفاوضات بينهما في “منبر جدة” الذي ترعاه وساطة سعودية – أمريكية.

ومنذ منتصف أبريل الماضي، يخوض الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 12 ألف قتيل وما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.

المصدر : الخليج اونلاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى