النساء في قلب النزاع، واقع مرير ودور حيوي للمجتمع الدولي بقلم: سيد فودة
✍️/ ولاية كناتكت – خاص – سيد فودة يكتب
من قلب مناطق النزاع، و وسط خط النار نجد رموز صامدة ممثلة بنساء محملات بعبء يتجاوز الحد و المنطق، فالضربات الجسدية، والإصابات الظاهرة ليست فقط ما يواجهنه، بل هناك أثر نفسي عميق،وتحديات اجتماعية مركبة تترك أثر بالغ على نسيج حياتهن اليومية، و المستقبلية، ويشوه الماضي لديهن.
في هذه المناطق الممزقة الصراع، نجد النساء عرضة المخاطر متعددة الأبعاد، فهن لايواجهن خطر العنف الجسدى والإصابات فقط، بل يتعرضن للتهديدات الأمنية المستمرة، و انتهاكات لحقوقهن، وعدم الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، كالغذاء، والرعاية الصحية.
كما تتعاظم هذه المخاطر في حالة النساء اللاتى يعلن عن معارضتهن الأوضاع الراهنة، أو يحاولن الدفاع عن حقوقهن، وحقوق وطنهن.
كما يمثل العبء النفسي لنساء مناطق النزاع جانبا هاما يستحق الاهتمام وإلقاء الضوء عليه، وذلك لما يخلفه النزاع من صدمات نفسية،وقلق، و اكتئاب، وغيرها من الأعراض الشائعة التى تصيب النساء اللاتى يعشن تحت ظلال الحروب.
ويكون لهذا الضغط النفسي أثر سلبي كبيرعلي قدرتهن على العناية بأسرهن، وتربية أطفالهن، وأيضا قدرتهن على المشاركة الفعالة في إعادة بناء وتطوير مجتمعاتهن.
إلى جانب ذلك نجد العديد من التحديات الاجتماعية التى تواجهها هؤلاء النساء، والتي تمتد إلى ما هو أبعد من المعاناة الفردية، والتمييز، وحتي تصل إلى النبذ من المجتمع، وتسهم كل هذه العوامل بتعزيز دور الفقر و اليأس، التى تستهدف النساء بشكل خاص في هذه البيئات نسبة إلى ضعفهن وانكسارهن.
لذلك تتجاوز معاناة النساء بهذه المناطق مجرد التأثيرات الفورية للحروب، بل تترك بشكل أعمق تأثيرات طويلة الأمد على حياتهن، وبالتبعية على أسرهن، ومجتمعاتهن.
فهن يحملن عبئا ثقيلا يمتد إلى أبعد من ميدان القتال، و ويؤثر على البنية الأساسية لمجتمعاتهن و مستقبلهن.
وتتجلى معاناة النساء بمناطق النزاع في صورة واقع مرير، يكشف عن تحديات جمة تواجهها النساء، فى دول مثل اليمن، وفلسطين، والعراق، وسوريا، والسودان، وليبيا، على سبيل المثال لا الحصر، حيث ينعكس هذا الواقع بوضوح في حياة النساء اليومية.
فمثلا باليمن تواجه النساء واقعا قاسيا يتميز بالنتهاكات مستمرة، كما يعيشن تحت وطأة الفقر، والجوع، والنقص الحاد الإمدادات سواء الطبية ام المعيشية، نتيجة لإنهيار البني التحتية والخدمات، يضاف إلى ذلك العنف الجسدى، و النفسي، الذي يأتي من مختلف الجهات، سواء كان نتيجة للأعمال القتالية، أو من داخل المجتمعات المحلية نفسها.
وعلى صعيد غزة تعاني النساء من ظروف مأساوية تتمثل في، القتل، والإصابات الخطيرة، والتشريد، والتهجير الجماعي، والدمار الممنهج للحياة اليومية، ويعد الوضع في غزة مثالا حيا على كيفية تحول النساء والفتيات إلى ضحايا مباشرين للصراعات، فقد أشارت الإحصائيات إلى تشريد ما يقرب من مليون امرأة وفتاة، مما يعكس الأثر المدمر للنزاع على النساء والمجتمع، حيث يتعين على النساء التعامل مع فقدان الأحباء، وتدمير منازلهن ، والتعرض المستمر للعنف.
وفي ظل هذه الظروف القاسية يتحملن عبء رعاية الأسر، والأطفال، ويكافحن لتوفير الحماية والرعاية على الرغم من النقص الشديد في الإمكانيات والموارد، خاصة مع فرض الحصار عليهن، مما يضعهن في مواجهة تحديات يومية لا تحتمل، و للمرأة دورا محوريا في الحفاظ على استقرار الأسر والمجتمعات، ولكنهن يفعلن ذلك في ظروف تفتقر إلى أدنى معايير الأمان والكرامة الإنسانية.
إلى جانب الأوضاع المأساوية في اليمن وفلسطين وغيرها من مناطق النزاع، تبرز أيضًا معاناة النساء في السودان، حيث تواجهن ظروفًا قاسية تتمثل في العنف والتحديات الاجتماعية الكبيرة، بما في ذلك التعرض للاغتصاب كأداة حرب. وتعكس هذه الظروف حاجة ماسة للتدخل العالمي والدعم الفعّال. وسوف أتطرق بشكل مفصل إلى وضع النساء في السودان في مقال قادم، حيث اسلط الضوء على أبعاد هذه المأساة.
تُسلط الأوضاع السابقة الضوء على الحاجة الماسة لتدخل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية لتوفير الدعم والحماية للنساء في مناطق النزاع. ويتطلب الأمر جهودًا متضافرة ليس فقط في توفير الاحتياجات الفورية ولكن أيضًا في العمل على إعادة بناء الحياة والمجتمعات وضمان مستقبل أفضل لهؤلاء النساء وأسرهن.
كما تلعب الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني دورًا حاسمًا في تخفيف حدة الأزمات التي تواجه النساء في مناطق النزاع، فإن جهودهم تتجاوز تقديم الإغاثة العاجلة، حيث تشمل سلسلة من البرامج والمبادرات التي تستهدف تحسين الظروف الصحية، والنفسية، والاجتماعية لهؤلاء النساء.
يُعد الدعم النفسي عنصرًا مهمًا آخر في عمل هذه المنظمات. و تساهم برامج الدعم النفسي في مساعدة النساء على التعافي من الصدمات وإعادة بناء حياتهن. وتشمل هذه البرامج توفير الاستشارات النفسية،و ورش العمل حول التكيف مع الصدمات، وبرامج دعم المجموعات، والتي تساعد على تعزيز الشعور بالمجتمع ،والدعم المتبادل.
كما تعمل منظمات المجتمع المدني أيضًا على تمكين النساء اقتصاديًا؛ وذلك من خلال تقديم فرص التدريب المهني والتعليمي، ومساعدتهن في الحصول على فرص عمل، وإطلاق مشروعات صغيرة. هذه الجهود تهدف إلى تعزيز الاستقلال المالي للنساء ،وتمكينهن من الإسهام في إعادة بناء مجتمعاتهن.
من خلال هذه الجهود المتعددة الجوانب، تسعى الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني ليس فقط إلى التخفيف من معاناة النساء في مناطق النزاع، بل أيضًا إلى بناء أسس قوية لمستقبلهن ومستقبل مجتمعاتهن.
ويجب ان نعلم ان تأثير النزاعات على النساء لا يقتصر على اللحظة الراهنة، بل يمتد ليشمل آفاق المستقبل. يترك الصراع آثارًا نفسية عميقة، يصاحبها فقدان للتعليم وفرص العمل، مما يحد من قدرات النساء على العيش بكرامة والمساهمة بفعالية في مجتمعاتهن. الوضع الراهن يؤكد على أهمية تمكين النساء وحمايتهن كأولوية لا يمكن تجاهلها.
ان المجتمع الدولي يحتاج إلى تركيز جهوده على حماية ودعم النساء في مناطق النزاع. فإن الاستثمار في تمكين النساء لا يعود بالنفع عليهن فقط، بل يُسهم في إرساء أسس لمجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا. يجب أن ننظر إلى النساء ليس كضحايا فقط، بل كعناصر فاعلة قادرة على قيادة التغيير نحو الأفضل. لذا، فإن العمل على تمكينهن يعد خطوة حيوية نحو بناء عالم أكثر عدالة وإنسانية.