قصة نجاة غيرت مجرى حياة النجم العالمي چيت لي

 

بقلم / سيد فودة‎

في الحياة، هناك لحظات تغير مجرى الأمور وتجعل الإنسان يعيد التفكير في أهدافه وأولوياته. بعض الأشخاص يكتشفون رسالتهم من خلال تجارب شخصية صعبة، تمامًا كما حدث مع نجم الأكشن الشهير جيت لي، وأيضًا كما حدث معي حين قررت تأسيس مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان.
‎وسأبدأ بطرح تجربة الممثل العالمي جيت لي ونقطة التحول في حياتة .
‎لطالما كان جيت لي واحدًا من أكثر نجوم الأكشن شهرةً في العالم، حيث أبهر الجمهور بمهاراته القتالية وأدائه المذهل في أفلام مثل Once Upon a Time in China و Romeo Must Die. لكن فجأة، اختفى النجم عن الشاشة، مما أثار تساؤلات عديدة حول سبب غيابه. القصة وراء هذا الاختفاء كانت مليئة بالمشاعر الإنسانية والتجربة العميقة التي غيرت مجرى حياته تمامًا.

في عام 2004، قرر جيت لي قضاء عطلة مع بناته في جزر المالديف، مستمتعًا بجمال الطبيعة وسحر البحر. ولكن في صباح يوم 26 ديسمبر، تغير كل شيء عندما ضرب زلزال قوي بقوة 9.1-9.3 درجات ريختر قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا، مما تسبب في واحدة من أسوأ كوارث تسونامي في التاريخ الحديث، حيث أودى بحياة حوالي 227,898 شخصًا في 14 دولة مختلفة

‎في تلك اللحظة، كان جيت لي يلعب مع إحدى بناته في المياه عندما بدأت الأمواج العاتية بالارتفاع فجأة. ووجد نفسه في قلب كارثة عظيمة، حيث اجتاحت المياه المناطق الساحلية بسرعة هائلة ، وكانت اللحظات التالية كابوسًا حقيقيًا، إذ كان عليه أن يقاتل الأمواج الجارفة لإنقاذ ابنته الصغيرة، التي كانت تتشبث به وهي تكافح للتنفس. وأثناء محاولته إنقاذها، تعرض لإصابة في قدمه بسبب قطعة أثاث عائمة ، وبكل قوته رفع جيت لي ابنته على كتفه محاولًا إبقائها فوق الماء، بينما كان يتنقل بصعوبة بين الأنقاض والمياه المتدفقة بقوة مدمرة. وبعد صراع مرير، تمكن من الوصول إلى بر الأمان، لكن التجربة تركت أثرًا عميقًا في نفسه.

‎عندما عاد إلى الفندق، رأى مشاهد مروعة للدمار والناس العالقين وسط الأنقاض، لكنه لاحظ أيضًا كيف أن الجميع كانوا يساعدون بعضهم البعض بغض النظر عن اختلافاتهم. تأثر بشدة بروح التعاون والمساعدة التي شهدها في تلك اللحظات القاسية.

‎وبعد نجاته هو وعائلته من الكارثة، بدأ جيت لي يعيد التفكير في معنى الحياة وأولوياته. ولم يعد يرى نفسه فقط كممثل عالمي مشهور ، بل كإنسان لديه رسالة أعمق. وأدرك أن الشهرة والثروة لا تعني شيئًا إذا لم يكن لها تأثير إيجابي في حياة الآخرين.

و‎في أبريل 2007، أعلن جيت لي عن تأسيس مؤسسة خيرية باسم The One Foundation، بالتعاون مع الصليب الأحمر الصيني، بهدف تقديم المساعدة في حالات الكوارث الطبيعية ودعم المشاريع الإنسانية. وفي ديسمبر 2010، أصبحت المؤسسة منظمة خيرية مستقلة، مما سمح لها بالعمل بشكل أكثر فعالية وشفافية
‎منذ تأسيسها، ركزت المؤسسة على مجالات الإغاثة في حالات الكوارث، ورعاية الأطفال، وتطوير العمل الخيري، وساهمت في تقديم المساعدة للعديد من المحتاجين في مختلف أنحاء العالم.

‎في السنوات الأخيرة، تعرض جيت لي لمشاكل صحية متعلقة بفرط نشاط الغدة الدرقية، مما أدى إلى تدهور حالته الجسدية وأثر على قدرته على ممارسة الفنون القتالية. ورغم ذلك، لم يتوقف عن رسالته الإنسانية، بل زاد إصراره على دعم القضايا الخيرية ونشر الوعي حول الصحة الجسدية والنفسية.

‎قصة جيت لي ليست مجرد قصة نجم أكشن واجه كارثة ونجا، بل هي قصة إنسان أدرك أن الحياة الحقيقية ليست في الأضواء، بل في العطاء. وكان تحوله من نجم سينمائي إلى ناشط إنساني هو درس عظيم ومؤثر حول كيف يمكن للحياة أن تأخذ منعطفًا غير متوقع بسبب حدث معين ، وكيف يمكن للشخص أن يجد هدفًا أسمى من مجرد النجاح والشهرة.

ونأتي الان الي قصة تأسيس مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ووجه التشابه مع قصة مؤسسة The One Foundation
‎على غرار تجربة جيت لي في إعادة اكتشاف هدفه في الحياة، كانت لديّ تجربة شخصية دفعتني لإنشاء مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009. فقد جاءت فكرة المؤسسة بعد حادث مأساوي أثر بشكل عميق على حياتي؛ حيث أصيب أخي الأصغر بفيروس في النخاع الشوكي أدى إلى شلل كامل لعدة سنوات قبل أن يتوفى بعد رحلة طويلة من العذاب والمعاناة مع المرض.
‎وبعد فترة توفت امي حزنا علي وفاة اخي ، فشعرت بضرورة مساعدة ودعم الفئات الأكثر احتياجًا حول العالم، خاصة ذوي الإعاقة، الذين يواجهون تحديات يومية ضخمة ، والتي رأيتها بنفسي اثناء رحلة اخي مع المرض ، ومن هنا، قررت أن أكرس جهودي لإنشاء مؤسسة تدعم الأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي، والاقتصادي، والتكنولوجي، وتوفر لهم الأدوات اللازمة للاندماج في المجتمع بكرامة واستقلالية.

وعلي مدار سنوات عمل المؤسسة بدأت دائرة الفئات المستهدفة تتسع واصبح من اكثر الفئات التي نقوم بدعمهم ، النساء من ضحايا الحروب والنزاعات والحروب من ضحايا العنف الأسري وذوات الإعاقة والأطفال والمهاجرين واللاجئين.

‎منذ إنشاء مؤسسة بيكسولوجي ، قامت بالعديد من البرامج التي تهدف إلى تمكين الفئات المستضعفة، بما في ذلك برامج الدعم النفسي والاجتماعي، والتدريب المهني، والتعليم التكنولوجي، مما ساهم في تحسين حياة آلاف الأشخاص داخل الولايات المتحدة وخارجها.

والسؤال الان هو ، لماذا نختار العمل الإنساني؟
‎إن ما يجمع بين قصتي وقصة جيت لي هو أن العمل الإنساني ليس مجرد خيار، بل هو رد فعل طبيعي على تجارب شخصية مؤلمة تدفعنا للتفكير في كيف يمكننا استخدام حياتنا لإحداث فرق حقيقي. سواء كان ذلك من خلال إنشاء مؤسسة خيرية، أو تقديم المساعدة لمن حولنا، فإن العمل الإنساني يمنحنا الفرصة لترك بصمة إيجابية تدوم مدى الحياة، بل تدوم بعد ان نترك الدنيا لعل يتذكرنا شخص بذكري طيبة
“فما أعظم أن تكون غائبًا حاضرًا، على أن تكون حاضرًا غائبًا”

‎اليوم، أواصل رحلتي من خلال مؤسسة بيكسولوجي، تمامًا كما يفعل النجم العالمي لي من خلال The One Foundation، لإيماننا المشترك بأن الشجاعة الحقيقية ليست فقط في مواجهة التحديات الشخصية، ولكن في تحويل تلك التحديات إلى مصدر أمل وقوة للآخرين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى