حرب إسرائيل على غزة ولبنان -التهجير والضم بديل لحل الدولتين!

أ د / دخان النجار
في كل مراحل الصراع العربي الإسرائيلي مؤشرات الحل تسير لغير لصالح العرب ابتداء من اول مقترح تقسيم تقدمت به الامم المتحدة عام ١٩٤٧ مروراً بنتائج الحروب العربية الاسرائيلية حرب ١٩٤٨وحرب ١٩٦٧ وحرب ١٩٧٣ وما تلاها من احداث اقليمية لها ارتباط بجوهر الصراع العربي الاسرائيلي وقضيته المركزية “فلسطين”والتنازلات دائما عربية بينما يسير المخطط الإسرائيلي بإتجاه صاعد نحو تحقيق حلم دولة اسرائيل الكبرى التي تتخطى حدودها حدود ارض فلسطين التاريخية إلى دولة يهودية من الفرات الى النيل التي يعبر عنها علم دولة إسرائيل الحالي ذات الخطين الأزرقين المعبران عن حدودها بين نهري الفرات والنيل.
اعتمدت الصهيونية على مبداء التطبيق المتدرج لفكرتها في قيام الدولة اليهودية المشار اليها وتوسعها المستقبلي وهو ما تحقق على ارض الواقع حيث عمل اليهود على تثبيت فكرتهم ورغبتهم في انشاء كيان خاص بهم على ارض فلسطين مهما كان حجمه في البداية كي يكون نقطة الانطلاق لتحقيق الهدف العام الذي بداء بالتوسع التدريجي منذ إعلان قيام الدولة اليهودية رسميا في مايو ١٩٤٨ حيث احتلت اجزاء كبيرة من الأراضي المحددة للفلسطينين بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقسيم بين اليهود والعرب الصادر في عام ١٩٤٧ ، تلاها التهام ما تبقى من قطاع غزة والضفة الغربية في حرب ١٩٦٧ بل تعداها الأمر الى احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية.
بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل تقلص الموقف العربي الى القبول باتفاقيات سلام تعيد بموجبها إسرائيل شبه جزيرة سيناء تكون خالية من السلاح وكذا الجولان إذا وافقت سوريا على الانخراط في العملية مع بقاء بعض المواقع الحساسة تحت السيادة الاسرائيلية واذا اراد الفلسطينيون الالتحاق بالاتفاقيات فسوف يحصلون على الحكم الذاتي بمسمى كيان فلسطيني شكلي مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل في حدود آمنه.
رفض العرب والفلسطينيون تلك المقترحات وفي عام ١٩٨٢ في قمتهم بالرباط اعلنوا موافقتهم على قيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ مقابل الاعتراف المتبادل وهو تراجع كبير في الموقف العربي لصالح إسرائيل لكن الأخيرة رفضت هذا التنازل وعينها على كل الاراضي الفلسطينية ،
وبعد مؤتمر مدريد ١٩٩١ انخفض السقف الفلسطيني في محادثات الفلسطينيين المباشرة مع إسرائيل وأفضى الى اتفاقيات اوسلوا التي كرست قبولهم في حكم ذاتي لكانتونات ممزقة غير مستقلة ماليا وإداريا مع تاجيل القضايا الرئيسية للحل النهائي إلى وقت لاحق وهو الأمر الذي قاد إلى استمرار الاستيطان في الضفة الغربية والقدس في خطوة عملية للإخلال بالتوازن الديمغرافي كما حصل في اراضي ٤٨ نحو إلغاء فكرة قيام الدولة الفلسطينية عمليا.
تغيير موازين القوى الدولية كان ولا زال يسير لصالح اسرائيل وبالعكس بالنسبة للعرب الذين تعرض نظامهم الاقليمي للتفكك ابتداء من خروج مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد وسقوط المعسكر الشرقي السوفيتي الحليف التقليدي وتفكك جبهة الصمود والتصدي وسقوط العراق وسوريا مؤخرا وتحلل اكثر من دولة عربية وضرب واضعاف محور المقاومة كل ذلك قاد إلى ان تبداء اسرائيل وبأريحية شبه تامه في تنفيذ مخطط قيام الدولة الكبرى من الفرات إلى النيل .
مع التطورات الأخيرة اصبح الحديث عن وقف اطلاق النار في غزة والضفة الغربية هو السائد بدل من الحديث عن حل الدولتين وهو ما يمثل استمرار لانحدار خطير فيما يخص حل عادل للقضية الفلسطينية وتراجع للمواقف العربية الرسمية يقابله تعنت إسرائيلي رافض لهذا المستوى من المطالب العربية والدولية.
بالنسبة للفلسطينيين بدل ماكانت المطالبة بقيام الدولة الوطنية الفلسطينية على حدود ٦٧ ووقف الاستيطان وعودة اللاجئين فالحاصل اليوم هي عملية تهجير وضم في قطاع غزة والضفة الغربية حيث ان قطاع غزة تدمر بشكل شبه تام ولا زال الضغط مستمر على سكانه بالقصف المبرح والقتل الجماعي وتجريف وتدمير البنية التحتية ومقومات الحياة البسيطة بما فيها الحرمان من الغذاء والدواء فاما القبول بالموت على الارض او الرحيل إلى دول الجوار ضمن مخطط مسبق يتم تنفيذة بآليات متعددة وتواطؤ بل ودعم شبه دولي اشبه بما حصل في أعوام ٤٧ و٤٨ .
اما الضفة الغربية فقد وصل التغيير الديمغرافي ذروته فيها حيث قارب عدد المستوطنين مليون نسمة لكنهم يتمتعون بالحماية والدعم ولديهم مليشيات مسلحة تشبه مليشيات الهاجانا المسلحة التي نزلت فتكا بالفلسطينيين وأجلتهم عن قراهم ومدنهم قبيل اعلان قيام دولة إسرائيل وفرض التوسع الجغرافي والعمراني على حساب السكان العرب الذين تتقلص مناطق سكنهم وزراعتهم بل وبداءت عملية تجريف مدنهم وبنيتها التحتية ايذاناً بإطلاق عملية تدمير وحصار شامل وحرمان من كل مقومات الحياة الطبيعية اقتداء بما يحصل في قطاع غزة على طريق التهجير وإعلان ضم الضفة التي يسمونها اليهود في قواميسهم ارض ” يهودا وسامراء”.
كل الاحداث على ارض فلسطين التاريخية منذ وعد بلفور ١٩١٧ إلى الوقت الراهن تسير باتجاه تنازلي مستمر بالنسبة للجانب العربي الذي يخسر وتتقلص مطالبه تدريجيا وآخرها فكرة حل الدولتين التي بدأت تترنح وتُلغى في ادبيات بعض الدول العربية مقابل التطبيع ،وفي المقابل تسير الاحداث لصالح إسرائيل بشكل تصاعدي حيث اصبحت عينها الان على ما بعد الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع .
اسرائيل في حربها الحالية على قطاع غزة أظهرت نيتها للتهجير والتطهير بكل وضوح وتعمل على تنفيذها عمليا على ارض الواقع حيث ان التدمير الشامل للقطاع وبنيته التحتية وحرمان المدنيين من الغذاء والدواء والسكن هي الوسيلة الفعالة لدفعهم إلى الهجرة يترافق ذلك مع ضغط على مصر والأردن بدرجة رئيسية لتوطين سكان غزة اليوم وغدا سكان الضفة الغربية ويستمر البحث عن دول ومناطق اخرى تقبل بالتوطين .
تنكر حكومة نتانياهو لاتفاقيات وقف اطلاق النار الأخيرة في غزة وتبادل الاسرى والمعتقلين وادخال الغذاء والدواء والانسحاب الاسرائيلي خارج القطاع في عملية سياسية متفق عليها من ثلاث مراحل وعودته الى شن الحرب ضد القطاع بحجة اقتلاع حماس لهو اكبر دليل على إصرار اسرائيل على الترحيل والتهجير لسكان القطاع مع موافقة أمريكية على ذلك وصمت غربي او استنكار خجول لا يردع اسرائيل من تنفيذ مخططها هذا، بل هناك صمت تجاه ما يحدث والصمت احيانا عنوان الرضاء.
اليوم لاشيء يمنع اسرائيل من تنفيذ مخططها التوسعي غير بقايا مقاومة فلسطينية وعربية عسكريا ضعيفه وسياسيا خجولة ويتبقى تمسك الفلسطينيين بارضهم او الموت الجماعي دونها هو عامل المقاومة الاكثر فعالية.
الظرف الدولي موآتي لان تقوم إسرائيل بتنفيذ مخططها حيث انها وضعت نفسها فوق القانون الدولي ورفضت كل اجراءات محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية وتتلقى الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي من اكبر قوة مهيمنة في العالم- الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة رئيسيةً إلى جانب الدعم الغربي الرسمي المستمر إلا ان ارادت الشعوب لا تقهر مهما كان الخلل في ميزان القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية التي قد تساعد طرف معين في فرض رؤيته مؤقتا ولكنها لن تدوم امام ارادة الحق وعدالة القضية واصرار الشعوب في الدفاع عن مقومات بقائها على ارضها.
دائما عندما تصل قوة كبرى إلى أوج ازدهارها وتفوقها وفرض ارادتها بحكم الأمر الواقع إلا انها ما تلبث وتبداء عملية العد العكسي وهذه هي سنة الله في خلقة صعود ، ثم هيمنة ثم انحدار .
اسرائيل الان تعيش عصرها الذهبي من الناحية الشكلية لكنها في الواقع تعيش في مرحلة جديدة في محيطها الاقليمي قد لاتجد شريك ذات صفة قانونية ودبلوماسية يوقع معها اتفاقيات سلام بل فسيفساء من مقاومة ايديولوجية وسياسية من الصعب تتبعها وملاحقتها تنشط في ارض سقطت معها مقومات الدول وفرص التنمية والاستقرار المعيشي .
غياب الشريك السياسي المنضبط حتى ولو كان عدوا ليس بمصلحة الطرف المنتصر واسرائيل وحلفاؤها تمكنوا عسكريا من هزيمة دول المواجهة العربية لكن الصراع لم يُحسم لصالح إسرائيل بشكل نهائي حيث تشكل محور مقاومة آخر كان تأثيرة عليها اشد من تاثير الدول وهذا المحور بدوره تم اضعافه بشكل كبير وبالذات مع سقوط النظام السوري الذي كان يشكل حلقة الوصل فيه ومع الخروج الافتراضي لهذا المحور من حلبة الصراع الفعال فانه من المُؤكد ان حركة مقاومة دينية ووطنية جديده سوف تتشكل في المنطقة ولن تقل اهدافها عن اهداف سابقاتها في تحرير القدس وفلسطين.
يظل الخيار الأفضل لكل اطراف الصراع العربي الإسرائيلي هو العودة إلى حل الدولتين والتعايش سلميا جنبا إلى جنب وتعميم السلام في كل منطقة الشرق الأوسط وخلق اواصر تعاون وتكامل بدل من الحروب التدميرية المستمرة
التي لا تضمن تفوق المنتصر إلى ما لا نهاية ولا خروج المهزوم من مسرح الصراع إلى الأبد طالما والصراع صراع وجود.
د. دحان النجار ميتشجان ٢٥ مارس ٢٠٢٥.