أحمد كامل .. الإدارة الفندقية والمستقبل الموعود

✍️ أحمد محارم
في حياة بعض الناس، تمرّ الصدف كعابرة سبيل، وفي حياة آخرين، تكون الصدفة أشبه برسالة قدرية لا تُقرأ بالكلمات، بل تُفهم بالبصيرة، وتُكتب بالأثر.
وحين يكون المرء مستعدًا لاستقبالها، تتحوّل الصدفة إلى منعطف، والمنعطف إلى مصير.
ذلك تمامًا ما حدث مع رجل لم يكن عابرًا في هذه الحياة، بل كان حاضرًا فيها بكل ما أوتي من شغف، وإرادة، وبصيرة، رجل لم يكتفِ بأن ينساب مع التيار، بل صنع تياره الخاص، لأنه آمن، منذ البداية، أن التميز ليس ترفًا ولا خيارًا.. بل شرطٌ للبقاء في ذاكرة العالم.
إنه أحمد كامل، المدير العام لفندق إنتركونتيننتال سيتي ستارز، أحد أرقى فنادق القاهرة وأكثرها تأثيرًا.
لم تكن بداياته سهلة أو ممهّدة، ولا خياراته تقليدية، التحق بكلية العلوم، ثم انتقل إلى تجارة إنجليزي، لكنه لم يشعر بالانتماء لأيٍ منهما، الروح كانت تفتّش عن فضاء أرحب، عن مكان يستطيع أن يلامس فيه الإنسان لا الأوراق، أن يصنع أثرًا لا أن يحفظ منهجًا.
وفي لحظة بدت للآخرين عابرة، لكنّها كانت له مفصلية، ساقته قدماه إلى قصر المنتزه بالإسكندرية. وهناك، بين رائحة البحر وصدى الذكريات، كان يقف “فندق فلسطين” شامخًا كحلم بعيد. لم يكن معه موعد، ولا توصية، فقط قلب ممتلئ بالرغبة في أن يبدأ. جلس في بهو الفندق، يراقب وجوه العابرين، أنماط الحياة، لغة الأناقة، تفاصيل لا تدرّس في الجامعات.
اقترب منه أحد المديرين وسأله عن سبب وجوده، فأجابه بصدق: “أبحث عن فرصة.”
فقال له المدير: “تعال غدًا ببنطال أسود وقميص أبيض.”
هكذا بدأت الحكاية.
لم يكن يعلم أن هذه اللحظة ستغيّر حياته. لكنها فعلت. الصدفة التي أحسن استقبالها فتحت له أبوابًا كان يظنها موصدة، وعرّفته على ذاته التي لم يكن قد رآها بعد.
ومنذ ذلك اليوم، أصبح للفنادق في حياته طعم الحلم، وملامح المصير. تنقّل بين الوظائف والبلدان، من تجربة إلى أخرى، يجمع لا المال فقط، بل الفهم، والرؤية، والوعي العميق بمعنى أن تخدم الإنسان، وأن تصنع من كل تفصيلة تجربة تُحكى.
وعلى مدار 24 سنة من الخبرة، عمل في الإسكندرية، ودبي، وأبوظبي، والدوحة، ومكة المكرمة، وشنغهاي، وبيچين، وهونج كونج، وأخيرًا عاد إلى القاهرة.
كما تولى رئاسة منظومة مديري الفنادق في دبي والدوحة (AICR)، وتسلم جائزة الإدارة المتميزة من زيورخ، وفيينا، ولندن، تكريمًا لمسيرته وإنجازاته القيادية.
ورغم سنوات الغربة، ظل الحنين إلى مصر يسكنه. لم تكن العودة مجرّد قرار، بل كانت نداءً داخليًا لم يخفت يومًا.
عاد… ليس ليبدأ من جديد، بل ليضيف إلى الوطن ما تعلمه خارج حدوده.
التقيت به مديرًا عامًا لأحد أعظم الفنادق العالمية: إنتركونتيننتال سيتي ستارز.
لم يكن حضوره عاديًا، بل كان طاقة تنتشر في المكان. عرف كيف يُلهم فريقه، كيف يعلّمهم أن التميّز لا يأتي بالصدفة، رغم أن الصدفة قد تفتحه لنا إن كنا مستعدّين.
حقق الفندق نسب إشغال غير مسبوقة، لكنه لم يكن يفاخر بالأرقام بقدر ما كان يعتزّ بالوجوه، بالفِرَق، بالأرواح التي استطاع أن يشعل فيها شرارة الحلم.
هكذا أدركت أن الحياة لا تمنحنا دائمًا ما نريد، لكنها تمنحنا ما نستحق، إن أحسنّا النية، وصدّقنا أنفسنا، واحتضنّا الصدف حين تأتي على هيئة فرص.
في عالم يظن فيه البعض أن النجاح صدفة، تذكّروا دومًا أن الصدفة لا تصنع شيئًا وحدها… بل تحتاج إلى روح مستعدة، وعقل يرى ما لا يُقال، وقلب يعرف أين موضعه من الحلم.
ذلك هو الفارق بين من تمرّ به الصدف، ومن تمرّ به الحياة كلها ليصنع منها مجدًا،
وهكذا كانت حياة أحمد كامل، ليست مجرد رحلة مهنية، بل فصل من فصول الإلهام في كتاب يُكتب عنوانه الكبير: “التميّز حين يكون أسلوب حياة”.