فرنسا بين الفوضى السياسية وضغوط الاتحاد الأوروبي لتقليص العجز والدين العام

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين

عين اخبار الوطن – CNBC

من المتوقع أن تسود أجواء من التوتر في بروكسل هذا الأسبوع، بعد أن شهدت فرنسا أزمة سياسية جديدة تهدّد جهودها الرامية إلى تحقيق ضبط مالي طال انتظاره.

فثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو خالف مراراً قواعد المفوضية الأوروبية المتعلقة بعجز الموازنة وحدود الديون، في حين أطاحت الأزمات السياسية بعدد من رؤساء الوزراء الذين حاولوا معالجة المشكلة عبر إصلاحات مالية وخفض الإنفاق وزيادة الضرائب.

أحدث الضحايا في حالة الجمود السياسي التي تعيشها باريس هو سيباستيان لوكورنو، خامس رئيس وزراء لفرنسا في أقل من عامين، والذي أعلن استقالته يوم الاثنين بعد 27 يوماً فقط من توليه المنصب.

وجاء قرار لوكورنو بالتنحي بعدما فشل في كسب دعم خصومه السياسيين وحتى حلفائه في تيار الوسط اليميني لتشكيل حكومته الجديدة، علماً أنه لم يكن قد قدّم بعد خططه المتعلقة بالإنفاق أو الضرائب لعام 2026، رغم أن الخلافات حول الموازنة كانت السبب في سقوط الحكومات السابقة.

وسعياً لتجنّب فقدان رئيس وزراء آخر، منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الاثنين لوكورنو مهلة 48 ساعة لوضع خطة تضمن «استقرار البلاد» وتتيح الخروج من حالة الشلل السياسي.

وكتب لوكورنو على منصة «إكس» أنه سيقدّم للرئيس مساء الأربعاء تقريراً حول أي تقدّم محتمل «ليتّخذ القرارات اللازمة على ضوء ذلك».

لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كانت المهلة الإضافية ستكفي لإقناع الأحزاب الأخرى بالتعاون، خاصة مع تصاعد الدعوات من أقصى اليسار واليمين لاستقالة ماكرون والدعوة إلى انتخابات برلمانية أو رئاسية مبكرة.

عجز مالي متفاقم

 

ورغم حرص مسؤولي بروكسل على عدم الظهور بمظهر المتدخل في الشؤون الداخلية لفرنسا، إلا أن الضغوط تتزايد على باريس للشروع سريعاً في عملية جادة لضبط أوضاعها المالية.

وتواجه فرنسا عجزاً في الموازنة يبلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، إضافة إلى دين عام يعادل 113% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ما يضعها في المرتبة الثالثة بعد اليونان وإيطاليا ضمن أكثر دول الاتحاد الأوروبي مديونية.

وتتجاوز هذه الأرقام بكثير حدود الاتحاد الأوروبي التي تنص على ألا يتخطى العجز المالي 3% من الناتج المحلي وألا تتجاوز الديون العامة 60% من حجم الاقتصاد.

وأضاف كامات في تصريحاته لبرنامج «يوروب إيرلي إيديشن» على «CNBC» قائلاً: «في ما يتعلق بعملية ضبط الأوضاع المالية، لا نرى في الوقت الحالي أي سيناريوهات إيجابية تُذكر، ما يعني أن العجز سيبقى على الأرجح قريباً من مستواه الحالي بين 5.4% و5.5% خلال هذا العام، وربما في العام المقبل أيضاً، وذلك تبعاً للموازنة والبيانات الاقتصادية الكلية».

وفي السياق نفسه، قالت مجموعة «غولدمان ساكس» يوم الثلاثاء إن «الانحراف المحتمل في الموازنة الفرنسية» دفعها إلى رفع توقعاتها لعجز الموازنة في عام 2025 إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد فُرضت على فرنسا «إجراءات العجز المفرط» الخاصة بالاتحاد الأوروبي، والتي تُطبّق على الدول الأعضاء التي لا تلتزم بقواعد «ميثاق الاستقرار والنمو».

وتملك فرنسا مهلة حتى عام 2029 لتصحيح أوضاعها المالية، غير أن المؤشرات الحالية لا تُظهر قدرة قريبة على تحقيق هذا الهدف.

قال أنطونيو فاتاس، أستاذ الاقتصاد في كلية «إنسياد»، يوم الثلاثاء: «السؤال هو: كيف يمكن لفرنسا الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي؟»، مضيفاً أن «عجز الموازنة في فرنسا يتجاوز بوضوح الحدود المقرّرة، وليس من الواضح ما إذا كانت الموازنة الحالية ستُعيد البلاد إلى المسار المطلوب في المدى القصير، وهو ما تشترطه القواعد».

وأوضح فاتاس في مقابلة مع CNBC، أن «التركيبة الحالية للبرلمان، والانقسام الحاد داخله، إضافة إلى مواقف اليمين المتطرف واليسار المتطرف، تجعل من الصعب جداً صياغة موازنة تتماشى مع قواعد الاتحاد الأوروبي».

ورغم أن بروكسل قد تميل إلى تأجيل المواجهة في الوقت الراهن، إلا أن المستثمرين ربما لا يظهرون القدر نفسه من التساهل تجاه ضعف انضباط فرنسا المالي. وكانت وكالة «فيتش» قد خفّضت التصنيف الائتماني لفرنسا الشهر الماضي، فيما يُتوقع أن تتبعها وكالة «موديز» بخطوة مماثلة في نهاية أكتوبر تشرين الأول.

 

حاجة ملحّة لإصلاح سريع

 

وإذا فشلت جهود لوكورنو خلال الساعات المقبلة، فسيجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام خيارات محدودة: إما تعيين رئيس وزراء جديد، أو حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، أو الاستقالة، وهو خيار يُعدّ مستبعداً للغاية حالياً.

وفي كل الأحوال، يرى الاقتصاديون أن تحقيق تقدم ملموس في خفض العجز أو الدين العام يبدو غير مرجّح، مع توقع تباطؤ في النمو الاقتصادي أيضاً، كما يُرجّح أن تُمدّد موازنة عام 2025 لتُستخدم أساساً لموازنة العام المقبل.

وقال هادريان كامات، كبير خبراء الاقتصاد لفرنسا وبلجيكا ومنطقة اليورو في بنك «ناتيكسيس»، يوم الثلاثاء: «أياً كان السيناريو المطروح، فلن نحصل على موازنة حقيقية قبل نهاية العام».

وقال خبراء الاقتصاد في مجموعة «غولدمان ساكس» في مذكرة صادرة يوم الثلاثاء: «أولاً، ما زلنا نتوقع أن يظل النمو أقل من المعدلات الطبيعية… وثانياً، لا نتوقع إحراز تقدم يُذكر في خفض العجز الحكومي»، مضيفين أنه «يبدو أيضاً أن فرنسا ستبدأ العام المقبل بموازنة مجمّدة أو جزئية على الأقل».

وأضافت المذكرة: «في جميع الأحوال، من المرجح أن تحول الخلافات السياسية العميقة، إلى جانب تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض، دون تحقيق أي تقدم ملموس»، مشيرة إلى أن البنك رفع توقعاته لعجز الموازنة لعام 2026 بمقدار 0.1 نقطة مئوية ليصل إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي. كما خفّض البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الفرنسي في 2026 متوقعاً توسعاً ضعيفاً بنسبة 0.8% فقط في العام المقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى