بالدبلوماسية وحدها يحيا لبنان

 

في الوقت الذي ينشط فيه نواب البرلمان ال​لبنان​ي في زيارات انتخابيّة لأبناء الجالية اللبنانية في ​الولايات المتحدة​، تنشط ​إسرائيل​ في بناء ​الجدار الفاصل​ في قلب الأراضي اللبنانية، حجراً حجراً، ومتراساً تطلق من خلفه يومياً صواريخ تقتل المدنيين بحجة القضاء على ​حزب الله​.

انفصام تام ما بين بعض أعضاء المجلس النيابي وبين ما يجري على الأرض في جنوب لبنان، وكأن الجنوب “إقليم دارفور” اللبناني، لم يدخل يوماً في أجندة النواب القادمين لاستجداء أصوات انتخابية ممن بقي من المنتشرين مهتماً بالتصويت لهم في الاستحقاق النيابي المقبل، وأرقام المسجّلين للإقتراع من الخارج خير برهان.

لا يختلف لبنانيّان في الاغتراب على ان سلاح حزب الله أصبح عائقاً أمام تقدّم البلاد والنهوض بدولة عصرية قوامها جيش يحمي الوطن ودولة تحارب الفساد، مستقلة عن كل تدخل خارجي. ولكن قرار الحزب ليس في لبنان، إنما في إيران التي صنعته عسكرياً، وهي الوحيدة القادرة على سحب سلاحه متى اتفق الكبار على تقاسم النفوذ في المنطقة وعلى شقّ طرق التجارة العالمية، وان أي كلام، غير ذلك، هو مضيعةٌ في السياسة الضيّقة.

انتهت جولة حرب ٢٠٢٥، في غزة كما في لبنان، لم ينتصر فيها إلا الموت، وحّد اللون الأحمر مدن ساحل المتوسط، تواصلت المجازر وارتقت الى الإبادة ودمار شامل وخسارة مادية لن تعوّض في عقود. وبعد كل هذا، بقيت ​حماس​ وحزب الله مع سلاحهما، وعادت عجلة الشكاوى والاتهامات الى واشنطن من جديد، بعضها صُنعُ الإسرائيليين، وبعضها صُنع بعض اللبنانيين، وعادت صور اللبنانيين “اليائسين” من الحصول على منصب تبحث عن موقع وصورة لعرضها في وسائل التواصل، من خلال نشر غسيل ​الصراع اللبناني​ الداخلي، في مكاتب واشنطن ونيويورك، واحياناً على يد أفراد يطلقون على أنفسهم “جمعيات مناصرة للديمقراطية”، هدفهم الأول والأخير نشر صورهم في المنظمة الدولية متخطين دولتهم ودور وزارة الخارجيّة، فنصّب كل فرد من هؤلاء نفسه سفيراً يحمل حقيبة دبلوماسية اشتراها من “علي إكسبرس”.

وبعد ١٥ سنة، استفاق القصر الجمهوري على نشاط بعض اللبنانيين الذين يعتبرون أنفسهم حريصين على بلادهم، يطلقون المواقف بإسم الشعب اللبناني عند الذين ليس لهم قدرة على حلّ أي نزاع في الشرق الأوسط. وقد وصَفت الإدارة الأميركية أحدهم، بطل البودكاست اللبناني، “بالحكواتي” مع ضحكة سخرية.

ما يُحكى اليوم عن “وشاة” لبنانيين في أميركا ليس جديداً. ولو استفاق القصر الرئاسي والحكومات السابقة لأوقفوا هذه المهزلة التي لم تحصل في أي بلد في العالم، وجعلوا حضور لبنان في الأروقة العالمية أقوى مما هو عليه اليوم. أثبت هذا التغاضي ان لبنان هو جمهورية “كل مين إيدو إلو”، بعدما شهدنا زيارات في السنوات العشر الماضية لنواب أحزاب لمقابلة سفراء الدول الكبرى في الأمم المتحدة، متخطين وزارة الخارجية وسفير لبنان في الأمم المتحدة، لأنّ المسؤولين آنذاك كانوا غارقين في أعمال خاصة بهم.

لم تصدر أي وثيقة في واشنطن تطالب باستقالة قائد الجيش اللبناني، انما في مقابلات صحفية للبنانيين في أميركا، لغاية في نفس جهّال في ​السياسة الدولية​. ما صدر هو ضغوط وكلام أميركي عن إيقاف ​دعم الجيش اللبناني​. فلو حصلت، حتماً ستكون أزمة كبيرة تهدد المؤسسة “الصخرة” التي لم تهزها رياح الفتنة يوماً.

ولكن أين ​الدبلوماسية اللبنانية​ في واشنطن؟ أين تشكيل فريق الدول الأصدقاء “في اللغة الدبلوماسية” Group of Friends لمواجهة هذا الوضع؟ أين هي مواجهة بناء الجدار “البرليني” الضخم في أراضي القرى اللبنانية؟ ماذا تفعل بعثة لبنان في واشنطن غير حضور حفلات الموسيقى وتوزيع الأوسمة واستقبال الزوار لتقديم التهاني بالمناسبات ونشر الصور على مواقع التواصل الإجتماعي؟ أين حضور الدبلوماسية اللبنانية في أروقة واشنطن، لتطالب بمساعدة لبنان لحلّ سلاح حزب الله بالدبلوماسية والإستراتيجية الواحدة للبنان الدولة القوية؟…

وأمام تصريح واضح لبنيامين نتانياهو في دائرته المقرّبة، أعلنه في “كرياه” مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، وصف فيه “حزب الله” بأنه منظمة قويّة ومعقّدة تمتلك قدرات متطورة تجعل مواجهة إسرائيل له صعبة.

وأوضح أنه حتى الآن غير مهتم بحرب شاملة في لبنان، بل يركز على حرب وقائية لمنع حزب الله من التقوية مشيراً الى نشاط عملياتي مستمر في جنوب

أمام هذا التصريح، لا يسع لبنان إلا ان يواجه هذا الواقع الجديد بالدبلوماسية ودعم الدول الصديقة المُحبّة للبنان، وبإعداد مشروع قرار في الأمم المتحدة، يطالب بوقف بناء الجدار، وانسحاب إسرائيل من الجنوب بالدبلوماسية الفذّة تماماً كالتي مارسها الدكتور شارل مالك والسفير غسان تويني وسيّد الدبلوماسية سهيل شماس، كما أطلقت عليه المنظمة الدوليّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى