شيخوخة أمريكا مع خريطة الطريق في اليمن تناقضات إيران والسعودية مع السيدة العجوز

✍️ عبدالقادر الجنيد

***

أيهما أفضل لأمريكا أن يقولوا عنها أنها شريرة ومتآمرة؟ أم أنها هبلاء وبليدة؟
الكثير في اليمن يقولون أن أمريكا في اليمن، متآمرة.
أنا أقول أن أمريكا في اليمن، هبلاء.

أنا أقول أن أمريكا في اليمن، نفسها قصير، ويتشتت انتباهها.
أمريكا، في اليمن، بدون هدف كبير معين تصمم عليه، وتتغير سياساتها من الشيئ إلى نقيضه مثل الطفل الذي يهتم بلعبة للحظات ثم ينتقل إلى لعبة أخرى، أو مثل المصاب بخرف الشيخوخة الذي يتوه بين أماكن الدار، وينسى ما قد حدث قبل زمان، ويتنقل بين المواضيع بدون جمع حس أو دومان.
أستطيع أن أكتب كتابا كاملا عن تصرفات أمريكا في اليمن وعن انعدام حس أمريكا بالمكان والزمان والعقل.

**
أولا: أمريكا وإيران في اليمن
**
إيران معها:
١- النفس الطويل
٢- الصبر الإستراتيجي
٣- الحرب اللا متماثلة Asymmetrical War
٤- وكلاء من الميليشيات العربية
٥- نقل الصراع مع العرب ومع أمريكا إلى خارج حدودها
٦- ترهيب وتخويف دول الخليج
٧- قمع شعب إيران لمنع أي انتفاضة
٨- التهديد بضرب الشحم واللحم الأمريكي في قواعدها العسكرية في المنطقة.
٩- عزوف أمريكا من حرب مع إيران وتكرار تجربة العراق وأفغانستان
١٠- التهديد بتخريب الإقتصاد العالمي بضرب آبار نفط الخليج وقطع الممرات المائية-

هذه الأوراق أو العوامل التي بيد إيران، هي نفسها التي أدت إلى انسحاب الإمارات والسعودية من اليمن.
وهي التي منعت اسرائيل من الهجوم على مواقع المشروع النووي الإيراني.
وهي التي تشرح وتفسر تحاشي أمريكا للتصارع مع إيران أو لحماية السعودية عندما تعرض لقصف منشآتها النفطية ومدنها ومطاراتها.

أمريكا ليست متآمرة مع إيران ضد السنة وضد العرب.
أمريكا، سلمت أربعة دول عربية لإيران من باب الفتور والعجز والخرف والشيخوخة.

الذي يحدث بين أمريكا وإيران في اليمن، هو أن إيران تنتزع من أمريكا المكاسب والمواقف بمجهودها وبتركيزها وبمثابرتها وبعرق جبينها.
… وبمكرها وخداعها.
والقانون لا يحمي المغفلين.

**
ثانيا: أمريكا والسعودية في اليمن
**

أمريكا، لا تهتم حقا بمصير اليمن.
أمريكا، تهتم فقط بمصير السعودية.
اهتمت أمريكا قليلا باليمن أيام ملك اليمن الإمام أحمد من ضمن ممارساتها للحرب الباردة مع الإتحاد السوفييتي.

لكن تقليديا وتاريخيا، السياسة الأميركية تهتم باليمن من باب إهتمامها بالسعودية وآبار نفطها.

الأمريكيون، كانوا يرون أن وجود بلاد فقيرة وغير مستقرة في اختيار نظام حكمها يمكن أن تشكل تهديدا لآبار النفط السعودية التي تهم الإقتصاد الأمريكي والعالمي.
وكانت أمريكا ترى أن أفضل حماية لحماية آبار النفط السعودية لا يجب أن تكون بالمجابهة والإشتباك- Confrontation- ولكن بالوجاهة والتشابك – Engagement- وهذا هو ما حدث.
أي أنه من الأفضل أن تبدو أمريكا مهتمة باليمن وتكتسب صداقة اليمنيين بغرض الحصول على النفوذ والتأثير وبالتالي التأثير على صناعة القرار الذي قد يؤدي إلى حرب أو يهدد آبار النفط السعودية.
وتقول أمريكا أنها تفهم مصلحة السعودية أكثر مما يفهمه السعوديون أنفسهم.
وأنهم قد يحتاجون أحيانا أن يساندوا اليمن ضد رغبات السعودية ولمصلحة السعودية.

سنأتي بمثالين على هذه الحالة:
المثال الأول:
وقف چورچ بوش الأب مع اليمن، عندما ابتدأت السعودية تحشد قوات بسبب النزاع على منطقة حدودية، فأصدر الرئيس الأمريكي بيانا رسميا بأن الحل يجب أن يكون بالتفاوض أو باللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وهذا ما حدث.

المثال الثاني:
وقف بيل كلينتون مع اليمن، عندما أيدت السعودية الإنفصال في حرب ١٩٩٤
وافق الرئيس الأمريكي- بعد تمنع- على أن يقتحم الرئيس صالح عدن والمكلا خلال ٢٤ ساعة ولكن بعد أن انتزع من عبدالكريم الإرياني في واشنطن خمسة شروط:
١- الالتزام بالديموقراطية والتعدية
٢- الإلتزام بالنظام الإقتصادي الحر
٣- العفو عن قائمة إعدام ال١٦ قائد جنوبي
٤- عدم التعرض للملاحة في باب المندب كما حدث في ١٩٦٧ و ١٩٧٣
٥- التقارب مع اسرائيل

وقام الرئيس صالح بتنفيذ كل هذه الأشياء بصورة مشوهة كالعادة، وهو الأمر الذي جعل أمريكا تروضه بالسماح لإريتريا باحتلال جزر حنيش بتخطيط عسكري من اسرائيل وتمويل مالي من الكويت.
ولكن هذه قصة أخرى.

**
ثالثا: أمريكا واضطرابات ٢٠١١
**
تخبطت أمريكا في اليمن
تقلبت آراء أمريكا بشأن ما يجب أن يحدث في اليمن عشرات المرات منذ ٢٠١١.
قامت بأشياء جيدة مثل مخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن والمرجعيات والدستور وتنحية الرئيس صالح وانتخاب الرئيس هادي.
وكانت أمريكا هي المكلفة بإعادة هيكل الجيش اليمني وبعدها استعانت بضباط من الجيش الأردني ثم ألغت فكرة إعادة هيكلة الجيش اليمني وهذا هو الذي أدى دور أتباع الرئيس صالح داخل الجيش لإدخال ميليشيات الحوثيين إلى عمران وإلى صنعاء.

نؤكد مرة أخرى أن أمريكا كانت هي المسؤولة عن إعادة هيكلة الجيش اليمني ولكنها هي التي صرفت النظر عن هذه الهيكلة.
ولم تتم الهيكلة واحتفظ الرئيس صالح بما تحت يده.

تعتبر أمريكا بسبب تسيبها وعدم انتباهها مسؤولة عن دخول الحوثيين إلى صنعاء.
هل كانت أمريكا متآمرة؟
أنا أعتبر أن أمريكا غير مهتمة وبليدة وناقصة انتباه وناقصة تركيز.
ولكن نفس هذه أمريكا تتمتع بنفوذ وتأثير طاغي أكبر مما تستحق عند اليمنيين.

الوحيد الذي يدرك عقم وعجز وبلادة أمريكا في اليمن، هم الإيرانيون والحوثيون.
الإيرانيون والحوثيون، حققوا مكاسب ضخمة داخل اليمن بسبب عدم اكتراث الأمريكيين وبسبب بلادتهم.
والشرعية اليمنية قد تمت شرذمتها بالكانتونات وبأعضاء مجلس الرئاسة وبالإنفصاليين.
ولا يوجد داخل الشرعية اليمنية من يستطيع أن يراجع السعودية ولا أن يعقل الأمريكيين ويدعس لهم الفرامل والكوابح.

**
ثالثا: السيدة العجوز والحوثي، اليوم
**

أمريكا تحاول أن تثبت أنها ليست السيدة العجوز في البحر الأحمر.
يوم أمس، قصفت أمريكا الحوثيين في صنعاء في أربع غارات استهدفت منطقة عطان، كما استهدفت غارتان منطقة النهدين وثلاث غارات أخرى وقعت على منطقة جربان بمديرية سنحان.
وأيضا دمر الأمريكيون صاروخين باليستيين مضادين للسفن وزورقاً مسيرا أطلقها الحوثيون من اليمن.

أمريكا تقول عن نفسها أنها المسؤولة عن سلامة الملاحة البحرية في كل العالم لأنهى القوة الأعظم في العالم.

وتقول أمريكا أنها تحب اسرائيل وهي ضد مواقف الحوثيين.

وتقول أمريكا أن هناك سفينة إيرانية غامضة تتنقل بين البحر الأحمر هي التي تزود الحوثيين بالمعلومات عن أسماء السفن ومواقع إحداثياتها وتحدد لها الأهداف التي تضربها بالصواريخ وبالمسيرات الجوية والمائية.

وتقول أمريكا أن البحر واسع ولا تستطيع أن تقطع كل طرق تهريب السلاح من إيران للحوثيين.
(وهذا غير صحيح لأنها تستطيع منع تهريب السلاح إذا كانت لا تعاني من قلة التركيز وسوء التدبير)

ولم تستطع أمريكا ضرب السفينة الغامضة ولا ضرب إيران التي تتهمها بأنها هي الرأس المفكِّر واليد المدبِّر لقطع الملاحة البحرية، لأنها تخشى من توسيع الحرب وتخشى من ردود الفعل الإيرانية.
(في سياسة إيران بالدفع بالأمور إلى حافة الهاوية فإنها تتمكن من إجبار أمريكا في كل مرة على التراجع)

ومازال الحوثيون يقصفون بالمقذوفات الإيرانية إلى عرض البحر.
هل قد أخذت أمريكا ما يكفي من الوقت لنقول أنها قد فشلت في لجم وترويض الحوثيين؟
أم أنها تحتاج لبعض الوقت قبل أن تنجح؟

**
رابعا: تخبط أمريكا مع خريطة الطريق
**

أمريكا قد كانت في طريقها لحضور حفل توقيع إتفاق خريطة الطريق في الرياض، أول شهر يناير الماضي.

أمريكا، تقول أنها ضد إيران وضد وكلائها من الميليشيات العربية في لبنان وسوريا والعراق وعلى رأسهم الحوثيين في اليمن.
ولكن خريطة الطريق، تمت كتابتها سرا بواسطة السعوديين والحوثيين، وكان السعوديون قد رتبوا أن يحضر كل خصوم الحوثيين اليمنيين من وحدويين وانفصاليين وشرعيين وعفاشيين ليوقعوا.
وكان سيتم تلبيس الإتفاقية على أنها إتفاقية يمنية خالصة بين اليمنيين ولا علاقة للسعودية ولا لأمريكا بها.
وكان سيتم التخلص من كل هذا الصداع لمتابعة الحوثيين ولملمة شراذم خصوم الحوثيين على هانز جروندبيرج مبعوث الأمم المتحدة، العاجز والتائه والعقيم الأكبر بين كل من تدخل بالشأن اليمني.

كان الأمريكيون قد وافقوا على خريطة الطريق وعلى وشك تسليم اليمن لقمة سائغة على طبق من فضة لأفواه الحوثيين.
كان مع الأمريكيين أكثر من سبب لرفض خريطة الطريق لأنها خطر على السعودية ولأنها خطر على اليمن ولأنها خطر على أمريكا ولأنها مكسب كبير للحوثيين والإيرانيين، ولكنهم كانوا قد حجزوا مقاعدهم في الصف الأول بين الشهود على حفل التوقيع.

ثم جاءت أزمة البحر الأحمر.

**
خامسا: أمريكا تفكر
**
أزمة البحر الأحمر، جعلت أمريكا تأمر السعودية بإلغاء حفل التوقيع.
ولم تهتم أمريكا بما سيكون عليه رد فعل الحوثيين والإيرانيين.

هذا يعني بأن السيدة العجوز مازال بمخها شيئا من التفكير وفي إحساسها شيئا من الحمية وفي عضلاتها شيئا من القوة.

هذه الأسئلة تدور في رؤوس الإدارة الأمريكية:
*
أمريكا تفكر الآن في آخر تقلباتها ومقالبها القادمة لليمن.

١- هل يجب أن تسمح أمريكا بسيطرة الحوثيين الكاملة على اليمن بحسب خريطة الطريق؟

٢- ماذا ستكون عليه قدرات الحوثيين في البحر الأحمر عندما يسيطرون تماما على اليمن؟

٣- هل يمكن السماح لحرية الملاحة البحرية أن تكون تحت رحمة الحوثيين؟

أمريكا قد رفضت خريطة الطريق.
والسعودية في البيانات مازالت تقول أنها حريصة على خريطة الطريق، ولكن الغالب أن المملكة تدرك أن الخريطة قد غرقت في البحر الأحمر.

والغالب أيضا أنه لا يوجد أحد يفكر بأي شيئ هذه الأيام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى