سوريا بين مخالب الأسد من حكم حافظ إلى سقوط بشار .. نصف قرن من القهر والاستبداد والدماء

 

✍️ كتب : أحمد فاضل

في عام 1970، تسلّق حافظ الأسد على أكتاف انقلاب عسكري ليغتصب السلطة، ويحوّل سوريا إلى إمبراطورية خوف ودمار، حيث حكم بالحديد والنار، وأخضع الشعب لمقصلة القمع والاستبداد تحت شعار “الاستقرار”، فدمر الحريات، وأقام نظامًا بوليسيًا جعل أجهزة المخابرات وحشًا كاسرًا يطارد كل من تسوّل له نفسه الحلم بالحرية، فمجزرة حماة عام 1982 كانت ذروة هذا الجبروت، حيث أباد الأسد الأب أكثر من 40,000 من الأبرياء، حيث حول المدينة إلى أنقاض، ودفن أصوات معارضيه تحت ركامها.

حكم حافظ لم يكن قمعًا فقط، بل كان نهبًا منظّمًا للبلاد. استولت عائلته وأذرعه الأمنية على موارد الوطن، تاركين الشعب يغرق في مستنقع الفقر والحرمان، بينما تجمّعت الثروات في قصور الأسد وحاشيته، فلم تكن سوريا تحت حكمه سوى سجن كبير لشعبها، ومزرعة صغيرة لعائلته.

وعندما جاء بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، ورث عرشًا ملوثًا بالدماء، لكنه سرعان ما أضاف بصمته السوداء تحت قناع “الإصلاح”، فقاد سوريا إلى سنوات أشد ظلامًا.
وفي عام 2011، وعندما اشتعلت الثورة السورية بصرخة “حرية وكرامة”، واجهها بشار بالرصاص والسجون، وتحولت الثورة إلى حرب شاملة بسبب وحشية النظام، الذي استخدم الأسلحة الكيميائية، وأباد شعبه في مجازر هزت ضمير العالم، بينما كان المجتمع الدولي يكتفي بالشجب والإدانة.

بشار لم يكتفِ بذبح السوريين، بل باع سيادة الوطن بثمن بخس، جعل من سوريا ملعبًا لصراعات القوى الكبرى، مانحًا روسيا وإيران السيطرة الكاملة على البلاد مقابل حمايته، فلم يعد بشار رئيسًا لدولة، بل مجرد دمية في يد حلفائه، بينما كانت سوريا تُنهب وتُدمر أمام أعين شعبها.

نصف قرن من حكم آل الأسد هو كابوس طويل عاشه السوريون، ملايين اللاجئين والمشردين الذين اقتُلعوا من ديارهم، وباتوا تائهين في المنافي، مدن كاملة محيت عن وجه الأرض، تاركة خلفها أطلالًا شاهدة على جريمة العصر، أجيال حرمت من التعليم، وطفولة اغتيلت وأطفال عاشوا طفولة مسلوبة، وذكريات أليمة.
اليوم، وبعد عقود من الظلم، لفظ نظام الأسد أنفاسه الأخيرة، وهرب بشار الأسد لاجئًا إلى روسيا، تاركا وراءه إرثًا من الدماء والخراب، ليشهد العالم نهاية عهد أسود طُبع بالظلم والاستبداد والقمع.

لكن سقوط آل الأسد ليس مجرد نهاية لطاغية، بل هو بداية لنهضة أمة، فسوريا التي أنهكتها الحروب، لم ولن تنكسر، وشعبها الذي دفع أثمانًا باهظة من دمائه وحياته، سيعيد بناء وطنه بحب وكرامة، وسيكتب بيديه مستقبلًا مشرقًا. الحرية التي سُحقت لعقود ستُبعث من جديد، لتشرق على سوريا حرة، مستقلة، وموحدة، رغم كل الجراح، وما يدبر لسوريا في الوقت الراهن من مؤامرات بدأتها إسرائيل باستغلال سقوط الطاغية والقيام بقصف الأراضي السورية والتقدم فيها وتجاوزها المنطقة منزوعة السلاح على الحدود الإسرائيلية – السورية، فى أول دخول علنى لها إلى الأراضى السورية منذ حرب أكتوبر 1973، وكان سبق ذلك السيطرة على المنطقة العازلة على الحدود بين سورية والجولان المحتل وهي محاولة مكشوفة لكسر معنويات السوريين خصوصا في هذه الظروف.

ومع ذلك، يبقى الأمل حاضرًا في قلوب السوريين، الذين يدركون أن النهوض من تحت الركام ليس مستحيلًا، رغم التحديات التي تواجهها البلاد، واستغلال إسرائيل للوضع الراهن لتحقيق مصالحها وفرض نفوذها في المنطقة، فإن إرادة الشعب السوري هي العامل الحاسم في إعادة بناء وطنه. سوريا ليست مجرد أرض، بل هي قصة شعب واجه كل أشكال الظلم ليصمد ويستمر.
حزب البعث – نصف قرن من الانقلابات والقمع

بعد أكثر من نصف قرن من إمساكه بالسلطة، خسر حزب البعث الأحد الحكم في سوريا. حزب البعث تأسس في 17 / أبريل نيسان 1947 على يد ميشيل عفلق، المسيحي الأرثوذكسي، وصلاح البيطار، المسلم السني.
في عام 1953 اندمج الحزب مع الحزب العربي الاشتراكي، ما أكسبه شعبية بين المثقفين والفلاحين والأقليات الدينية. وامتدت شعبيته الى دول عربية عدة أبرزها العراق.

في الثامن من مارس / آذار 1963، وصل البعث إلى الحكم في سوريا إثر انقلاب عسكري وفرض حالة الطوارئ. وفي 16 نوفمبر / تشرين الثاني 1970، نفّذ الأب حافظ الأسد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، انقلاباً عسكرياً عُرف بـ”الحركة التصحيحية” أطاح عبره برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي، ووضع حدّاً لسلسلة من التجاذبات الداخلية في الحزب وعلى السلطة.

في 12 مارس / آذار 1971 اُنتخب حافظ الأسد رئيساً للجمهورية السورية في اقتراع من دون أي منافس، ليصبح أول رئيس ينتمي الى الأقلية العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.

في السادس من أكتوبر / تشرين الأول 1973 شنَّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل في محاولة لاستعادة ما خسرته البلدان خلال حرب يونيو / حزيران 1967. وتمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس، بينما استعادت القوات السورية بعضا من المناطق في هضبة الجولان.

في مايو / أيار 1974 وقعت سوريا وإسرائيل رسميا اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.

في العام 1979 تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك -صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة- دمشق بالتآمر.

قطعت بغداد علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق في أكتوبر / تشرين الأول 1980، بعدما دعم حافظ الأسد إيران في الحرب مع العراق.

في فبراير / شباط 1982، تصدى النظام السوري لانتفاضة مسلحة قادها تنظيم الإخوان المسلمون في مدينة حماة (وسط). وأدى القمع الدامي الى مقتل الآلاف، قدرت أعدادهم بما بين 10 آلاف و40 ألف شخص.

وأتى ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أدى إلى مقتل ثمانين جندياً من العلويين. واتهم الإخوان المسلمون في حينه بالوقوف خلف الهجوم.

في نوفمبر / تشرين الثاني 1983 تعرَّض حافظ الأسد لأزمة قلبية نُقل على إثرها إلى مستشفى بدمشق. وبينما كان يقبع في غيبوبة، حاول شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل. استعاد حافظ عافيته وسلطته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا.

توفي حافظ الأسد في 10 يونيو / حزيران 2000 عن عمر ناهز 69 عاماً، بعد عقود حكم خلالها سوريا بقبضة حديد، أرسى خلالها بالقوة استقرارا أكسب بلاده دورا وازنا في إقليم دائم الاضطراب. وبعد شهر تولَّى نجله بشار السلطة بعد تعديل دستوري سمح له بالترشُّح من خلال خفض السن القانونية لتولِّي الرئاسة. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه، على 97 في المئة من الأصوات.

أصبح بشار الأسد القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في البلاد.
في يوليو / تموز 2024 فاز الحزب مجددا بغالبية مقاعد مجلس الشعب، في رابع انتخابات تُجرى بعد اندلاع الصراع.

صباح الأحد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 أعلنت فصائل معارضة “هروب” بشار الأسد ودخول قواتها دمشق إثر عملية عسكرية واسعة ومباغتة بدأتها في 27 نوفمبر / تشرين الثاني 2024 من معاقلها في إدلب. وقالت فصائل المعارضة إن “الطاغية بشار الأسد هرب”، و”نعلن مدينة دمشق حرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى