خاص – أحمد محارم – عين اخبار الوطن

في زمن طغت فيه الضوضاء على المعنى، وبهتت فيه الأصوات التي تصنع الوعي، يبزغ نجم من نوعٍ مختلف، ليس بالضجيج والمظهر ، بل بالعمق والمضمون، وهكذا كان لقائي الأول مع الدكتور ماجد موريس، لم يكن مجرد لقاء عابر، بل بوابة عبور إلى عالم من الفكر المستنير ، والوعي القادر على التغيير.

حين تجلس أمامه وتُنصت، تشعر أن المسافات تضيق بين الماضي والمستقبل، وأنك لا تقف على أرض الواقع فقط، بل تُحلق في فضاء فسيح من الأسئلة، والقراءات، والاحتمالات، فالرجل لا يقدم لك إجابات جاهزة، بل يوقظ فيك شغف البحث، ويوقظ عقلك من سباته

الدكتور ماجد موريس، طبيب نفسي وكاتب وأديب ومفكر، ليس مجرد حامل للقب علمي أو صاحب مؤلفات، بل هو مشروع ثقافي كامل، يتجسد في صالونه الثقافي الذي يدعو إليه عشاق الفكر والمهتمين بالوعي والمعنى، ليناقشوا قضايا إنسانية وفكرية وفلسفية، تتجاوز السطح إلى الجوهر.

قبل ثلاث سنوات، ساقني القدر إلى أن أكون أحد رواد هذا الصالون. وهناك، عرفت أن الحوار قد يكون علاجًا، وأن تبادل الفكر أشبه بجلسة تطهير للعقل. تعرفت من خلاله على وجوه مضيئة، تركت في حياتي أثرًا لا يُنسى، لكن الأثر الأعمق كان هو، هذا الرجل الذي يشع صدقًا وتواضعًا، ابن الريف والدلتا، الذي لم تمنعه بساطة النشأة من التحليق عاليًا، بل كانت هي جناحه الحقيقي.

لم تكن صدفة عابرة؛ بل كانت من أجمل المحطات في حياتي، أن ألتقي به وأتشرف بصداقته. بل الأجمل، أن هذا اللقاء فتح أمامي أبوابًا للتعرف إلى شخصيات رائعة، تركت أثرًا طيبًا في حياتي، وكل ذلك من خلال صالونه الثقافي الذي يشع فكرًا وإنسانية.

أما كتبه، فهي محاولات جادة لطرح الأسئلة الكبرى، واستشراف المآلات القادمة، ولعل من أبرز محطاته الفكرية كتابه “قيام وسقوط الديمقراطية المستبدة”، الذي طرحه في ندوة ثرية بمكتبة الإسكندرية، ضمن فعاليات معرض الإسكندرية الدولي للكتاب.
في هذا العمل، ناقش كيف تصنّف مؤشرات الديمقراطية – وعلى رأسها مؤشر الإيكونوميست – دول العالم إلى أربعة مستويات:
1. ديمقراطية كاملة
2. ديمقراطية معيبة
3. نظم هجينة
4. نظم سلطوية

ثم استعرض ببصيرة واضحة كيف ساهمت الفوارق الثقافية بين الشرق والغرب في رسم خريطة توزيع هذه النماذج السياسية، مؤكدًا أن الثقافة ليست مجرد خلفية، بل فاعل حقيقي في صناعة القرار السياسي.

المفارقة أن هذا العمق لا يقابله غرور، بل تواضع أصيل، فالرجل، كما يقول، لا يؤمن بالصدف، لأن أبناء الريف، وهو أحدهم، اعتادوا أن تكون خطواتهم محسوبة، وأن يبنوا مجدهم بالطوب والعرق، لا بالحظ والعشوائية.

ولذلك، حين تستمع إليه، تشعر أنك أمام ذاكرة مصرية تمشي على قدمين، تستحضر التاريخ، وتفكك الحاضر، وتستشرف المستقبل .. ليس من موقع التنظير، بل من موقع الإنسان الذي عاش، وتأمل، وكتب، وقرر أن يكون جزءًا من الحل.

ختامًا، الحديث عن الدكتور ماجد موريس ليس مجرد احتفاء بشخص، بل هو تذكير بأن هذا الوطن لا يزال يحتضن منارات فكرية حقيقية. رجال لا يسعون إلى الأضواء، بل يصنعونها من الداخل، وحين تلتقي بأحدهم، تتأكد أن الوعي لا يزال حيًا، وأن الكلمة الصادقة لا تزال قادرة على إشعال النور في العقول.

لقد صرت أراه اليوم لا كشخص، بل كحالة فكرية، وكمرآة لضمير مثقف صادق،
فإذا سُئلت يومًا: “من هو الدكتور ماجد موريس؟”
أجبت بلا تردد:
هو الدليل على أن النور لا يزال ممكنًا، وأن الفكرة الحيّة لا تموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى