***مصر، رفح، والحقيقة المنسية: ماذا تقول الأمم المتحدة عن دور مصر في المساعدات إلى غزة***

 

بقلم: /  أحمد فتحي

نيويورك — مؤخرًا، سواء في نيويورك أو لندن أو باريس أو برلين أو حتى تل أبيب، تردد الهتاف ذاته مرارًا: “مصر تمنع دخول المساعدات إلى غزة.”* يتكرر على اللافتات، يُسمع في المظاهرات، وينتشر بلا توقف على وسائل التواصل الاجتماعي. وخارج السفارة المصرية في تل أبيب، نظم إسلاميون من عرب إسرائيل ــ في مشهد غريب إلى جانب جماعات يهودية متطرفة ــ احتجاجات تردّد نفس الاتهام، في دليل على مدى انتشار هذه الرواية وكيف جرى صناعتها بعناية.

دعونا نكون واضحين منذ البداية: هذه ليست محاولة للدفاع عن الحكومة المصرية. بل هي محاولة لقول الحقيقة. أكتب بصفتي صحفيًا، مراسلًا لدى الأمم المتحدة، قضيت سنوات أتابع كل إحاطة صحفية، وكل كلمة على منبر الأمم المتحدة. والسجل واضح لا لبس فيه: الادعاء بأن مصر تمنع المساعدات إلى غزة لا يصمد أمام الوقائع.

الرواية قد تكون صاخبة، لكنها زائفة. يتم تصوير المصريين كأنهم الجناة في أزمة كانوا في الواقع فيها ساحة التجهيز وشريان الحياة لقوافل المساعدات. هذا التشويه لا يلوث السياسة فقط، بل يهين كرامة أكثر من مئة مليون مصري، في الداخل وفي الشتات، عندما يُساء تمثيلهم على المسرح العالمي.

وسجلات الأمم المتحدة تؤكد ذلك بوضوح:

* في **20 أكتوبر 2023**، وقف الأمين العام **أنطونيو جوتيريش** عند معبر رفح قائلاً: *“مصر هي الركيزة الأساسية التي تسمح بوجود الأمل على هذا الجانب من الحدود. الأمل بأن تتحرك هذه الشاحنات لدعم الناس.”* جوتيريش لم يري مصر كعائق، بل كجسر للأمل.

* في **2 يوليو 2024**، قال مسؤول أممي رفيع في مجلس الأمن: *“أكثر من 1200 شاحنة تنتظر على الجانب المصري من الحدود، وسط إجراءات إدارية معقدة…”* الصورة كانت لمساعدات جاهزة على الأرض المصرية، وسائقين بانتظار، لكن الموافقات كانت خارج سيطرة القاهرة.

* في **28 يوليو 2025**، صرح المتحدث باسم الأمم المتحدة **ستيفان دوجاريك** من نيويورك بوضوح: *“الأونروا تقول إن 6000 شاحنة في الأردن ومصر تنتظر الضوء الأخضر للدخول.”* وهذا الضوء لم يأتِ من القاهرة، بل من تل أبيب.

فلماذا تستمر الرواية المعاكسة؟ لأنها تخدم من يروّجها. إنهم الإسلاميون بقيادة جماعة الإخوان المسلمين الذين حرّكوا هذه الحملة عالميًا. والسياق هنا مهم: فحماس وُلدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين.

تأسست حماس عام 1987 إبّان الانتفاضة الأولى على يد الشيخ أحمد ياسين وآخرين من الإخوان الفلسطينيين، كفرع مباشر للجماعة في غزة. ميثاقها الأول نصّ على أنها جزء من مشروع الإخوان الأوسع، رابطًا نضال فلسطين بأيديولوجية الإسلام السياسي للجماعة. بهذا، ميزت نفسها عن الفصائل الفلسطينية العلمانية مثل منظمة التحرير، مقدمة نفسها كحركة مقاومة ضد إسرائيل وفي الوقت ذاته كذراع أيديولوجي للإخوان.

هذا الارتباط يفسر الكثير. فهو يوضح لماذا تنسجم شبكات الإخوان العالمية — من جماعات الضغط في الولايات المتحدة إلى منظمات المجتمع في أوروبا، بل وحتى عبر تعبئة إسلاميي الداخل من عرب إسرائيل جنبًا إلى جنب مع جماعات يهودية متطرفة في تل أبيب — مع خطاب حماس. من خلال إلقاء اللوم على مصر، يحمون حماس من النقد، ويوجهون الغضب نحو القاهرة. بالنسبة للإخوان، تشويه مصر هو انتقام أيديولوجي واستراتيجية سياسية.

لقد غطيت بما يكفي من الأزمات الدولية لأعرف متى تطغى الدعاية على الحقيقة. وفي هذه الحالة، الدعاية كانت بلا هوادة. لكن سجل الأمم المتحدة لا يترك مجالًا للشك: مصر جهزت المساعدات، نسقت عبر العريش والهلال الأحمر المصري، وكانت على استعداد. القوافل لم تتحرك لأن إسرائيل تملك الكلمة الأخيرة، لا لأن مصر أغلقت المعبر.

هذه ليست مسألة دفاع عن نظام، بل دفاع عن الحقيقة، وعن كرامة أكثر من مئة مليون مصري، في الداخل وفي الشتات، ممن يتم الإساءة لصورتهم على المسرح الدولي. فالروايات إذا تُركت بلا مواجهة تشكل الرأي العام، والرأي العام يصنع السياسة.

وأنا أشاهد مقاطع المحتجين أمام الأمم المتحدة في نيويورك، وأمام البعثة المصرية، وحتى أمام السفارة المصرية في تل أبيب، أذكّر نفسي: قد تكون الشعارات صاخبة، لكن الحقائق أعند. والحقائق تقول، بلا جدال: مصر كانت الجسر إلى غزة، وليست الحاجز.

** أحمد فتحي هو مراسل معتمد لدي الأمم المتحدة ومحلل في الشؤون الدولية، ومؤلف كتاب أمريكا أولاً، العالم منقسم: تأثير ترامب 2.0.(America First, The World Divided: Trump 2.0 Influence )يكتب عن الدبلوماسية والتعددية، وعن القوة والصورة الذهنية، وعن السياسات التي ترسم ملامح مستقبل عالمنا

https://www.amerinews.tv/posts/rafah-and-the-record-what-the-un-says-about-egypt-s-role-in-gaza-aid

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى