الأمم المتحدة… أسبوع القضايا الكبرى يبدأ من صوت المرأة إلى نداء الكوكب

FYE – HN – Alkhader

 

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

الاثنين 6 أكتوبر 2025: بين التاريخ والواقع، العالم يلتفت إلى نيويورك وجنيف وأوساكا
تستهل الأمم المتحدة أول أيام هذا الأسبوع بواحدة من أكثر فتراتها ازدحامًا في العام، إذ تتقاطع على طاولاتها قضايا الأمن والسلام والمناخ والعدالة الاجتماعية، في لوحةٍ تعكس حال العالم بكل تناقضاته.
تُفتح اليوم الاثنين الموافق للسادس من أكتوبر 2025، أبواب مجلس الأمن الدولي في نيويورك على مصراعيها لاستقبال وفودٍ رفيعة المستوى من عشرات الدول والمنظمات للنقاش السنوي المفتوح حول جدول أعمال المرأة، والسلام، والأمن. وأصبح ذلك النقاش مرآةً لمدى التزام المجتمع الدولي بوعوده القديمة حول المساواة والعدالة
و الآن و بعد خمسة وعشرون عامًا على صدور القرار الأممي التاريخي رقم 1325 الذي ربط، لأول مرة في تاريخ المنظمة، بين تمكين المرأة واستدامة السلام
لكن بعد ربع قرن، تقف الأمم المتحدة أمام سؤالٍ مؤلم: ماذا تحقق فعلاً؟
في قاعة مجلس الأمن المزدانة بالأعلام الزرقاء، يُتوقّع أن يُلقي الأمين العام كلمته الافتتاحية، متحدثًا عن الفجوة المتسعة بين الخطاب والممارسة، بين العهود والواقع، إذ لا تزال النساء في مناطق النزاع من أوكرانيا إلى السودان واليمن وهايتي، يتحملن العبء الأكبر للحروب دون أن يجدن لأنفسهن مقعدًا حقيقيًا على طاولة القرار.
سيشارك في الجلسة وزراء خارجية، ومبعوثون أمميون، وممثلون عن منظمات نسوية من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، إلى جانب شهادات مباشرة من ناشطات ميدانيات من أفغانستان والسودان وجنوب السودان، يتحدثن عن الصعوبات اليومية في إيصال المساعدات، وعن النساء اللواتي يحاولن التفاوض، وسط الدمار والجوع والخوف.
ويؤكد أحد التقارير المقرر تقديمها أمام المجلس أن نسبة مشاركة النساء في عمليات السلام الرسمية لم تتجاوز 17% عالميًا، رغم الوعود المتكررة من الدول الأعضاء برفعها إلى النصف بحلول 2025. ومع ذلك، تظهر بعض الإشارات الإيجابية من سيراليون وكولومبيا، حيث لعبت النساء أدوارًا مركزية في برامج إعادة الإدماج والمصالحة الوطنية.
يتزامن هذا النقاش مع تولّي روسيا رئاسة مجلس الأمن لشهر أكتوبر، وهو ما يضفي على المشهد بُعدًا سياسيًا إضافيًا. ففي الوقت الذي تتحدث فيه موسكو عن “الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية”، ترفع دولٌ غربية، خاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، صوتها داخل القاعة. للمطالبة بقرارات أكثر صرامة ضد الانتهاكات التي تطال النساء في مناطق الحرب. ويُتوقّع أن يشهد الاجتماع سجالًا حادًا حول دور مجلس الأمن في حماية النساء أثناء النزاعات المسلحة، خصوصًا بعد توثيق مئات حالات العنف الجنسي المرتبطة بالصراعات خلال العام المنصرم في أوكرانيا والسودان وميانمار.
أما الصين، فتؤكد مجددًا أن قضايا المرأة والسلام يجب ألا تُستخدم أداةً للتدخل السياسي في شؤون الدول، بينما يطالب ممثلو الاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة بالانتقال من “البيانات الرمزية” إلى “التنفيذ الفعلي” للقرارات، عبر آليات رقابة ومساءلة أكثر قوة.
على بُعد آلاف الكيلومترات من نيويورك، يشهد اليوم نفسه صدى في نيروبي، حيث انه يوم الموئل العالمي او المدن في مواجهة الاختناق افتتحت الأمم المتحدة فعاليات اليوم العالمي للموئل (World Habitat Day) تحت شعار “الاستجابة لأزمات المدن الحضرية. وهو اليوم الذي يُحتفل به في أول يوم اثنين من أكتوبر كل عام، و يأتي هذه المرة وسط تحذيرات من تصاعد الكوارث المناخية وتراجع فرص السكن اللائق في مدنٍ مكتظة ومتعبة.
ستلقي المديرة التنفيذية “ميمناه محمد شريف” كلمة خلال الجلسة الافتتاحية في مقر الأمم المتحدة- كلمة عن أزمات الكوكب و أن المدن باتت خط الدفاع الأول ضد هذه الازمات التي تتراوح بين: التغير المناخي الى الهجرة، مرورا بالفقر المتسبب الرئيسي في النزوح .و ستلقي الضوء على ان سكان هذا الكوكب لازالوا ضعفاء و أكثر ضعفا وآخر من تُسمَع أصواتهم.”
سيتم عرض التقارير التي تُظهر أن أكثر من مليار إنسان يعيشون اليوم في مساكن غير ملائمة، وأن التغير المناخي يهدد بتشريد 250 مليون شخص إضافي بحلول 2050 إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
مع عدم تجاهل انه وفي المدن الكبرى مثل كراتشي والقاهرة ومكسيكو سيتي، تتشابك الأزمات بين ارتفاع الأسعار وتدهور البنية التحتية وشحّ المياه، التي تفاقم الازمات وتساهم في تزايد الفجوة بين الأحياء الغنية والمناطق المهمشة.
كم، وستركّز الأمم المتحدة في هذه المناسبة على مفهوم “التصميم من أجل الصمود: وضرورة بناء مدنٍ قادرة على مواجهة الكوارث بدلاً من انتظارها.
ومن جنيف إلى أوساكا …تتحرك الأمم المتحدة على كل الجبهات. ففي جنيف، يستمر الأسبوع بديناميكية مختلفة؛ اذ سيختتم مجلس حقوق الإنسان دورته الستين يوم الأربعاء 8 أكتوبر، بعد ثلاثة أسابيع من النقاشات حول حرية التعبير والتمييز العنصري والعنف ضد الصحفيين. بينما وفي القاعة المجاورة، تُفتتح اجتماعات يتم خلالها تركيز اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين -من الفترة الممتدة من السادس الى العاشر من الشهر الجاري-على ثلاث بؤر إنسانية ملتهبة وهي السودان وغزة بالإضافة الى الكونغو الديمقراطية.
وسبق وأن المدير السامي “فيليبو غراندي” حذّر في جلسات افتتاحية سابقة مماثلة من أن “العالم يعيش لحظة نزوح غير مسبوقة؛ حيث أن أكثر من 120 مليون إنسان اقتُلعوا من بيوتهم، نصفهم من النساء والأطفال.”
تأتي هذه الاجتماعات بينما تحذر منظمات الإغاثة من أن التمويل الإنساني بلغ أدنى مستوياته منذ عقد، وأن برامج الغذاء والمأوى والتعليم مهددة بالانهيار.
أما في أقصى الشرق، وتحديدا في مدينة أوساكا اليابانية، فيتواصل العدّ التنازلي نحو ختام معرض “إكسبو 2025” الذي ينتهي في 13 أكتوبر
و يحتل جناح الأمم المتحدة ، ضمن هذا الحدث، مساحة بارزة تحت شعار “متحدون من أجل مستقبل أفضل”، ويضم معروضات لـ35 وكالة أممية تبرز الابتكارات في مجالات الطاقة النظيفة، والمياه، والتعليم الرقمي، والذكاء الاصطناعي من أجل التنمية.
و تزامنًا مع المعرض، ستطلق الأمم المتحدة حملتها الخاصة باليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث، حيث يُتوقع أن يقدّم مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث تقريرا جديدا يدعو الى الاستثمار في “الوقاية” لا “الإغاثة” تحت شعار “موّلوا الصمود بدلا من الكارثة”

رغم هذا الزخم في الفعاليات، لا تغيب السياسة عن المشهد ويشهد مجلس الأمن معادلة تتسم بالمراوحة بين الانقسام والأمل
فمجلس الأمن الذي يناقش اليوم أجندة المرأة والسلام، سيعود خلال الأسبوع ذاته، ثم يعقد جلسات مغلقة حول سوريا والصومال واليمن لمناقشة ملفات التعاون مع الاتحاد الإفريقي بتاريخ 7 أكتوبر.
وفي الكواليس، تتواصل الخلافات بين الأعضاء الدائمين حول آليات التصويت والعقوبات، وسط انقسامٍ واضح بين الكتل الغربية وروسيا والصين، وهو ما يعرقل تبني قراراتٍ حاسمة في ملفاتٍ إنسانية ملحّة.
لكن المشهد في أروقة الأمم المتحدة يتجاوز النقاشات الرسمية. ففي الممرات وبين الاجتماعات الجانبية، تتقاطع وجوه الناشطات والباحثين، والدبلوماسيين الشباب، والمبعوثين الإقليميين، في مشهد يعيد إلى الأذهان روح “مؤتمر بيجين” عام 1995، حين خرجت شعارات العدالة والمساواة لتصبح لغة العالم. واليوم، وبعد ثلاثين عامًا، يعود السؤال تقريبا: هل تغيّر شيء فعلاً؟ أم أن التاريخ يعيد نفسه تحت أسماء جديدة؟
ويبدو أن الأمم المتحدة في هذا الأسبوع الحافل تحاول إعادة تعريف دورها: من حارسٍ للنظام الدولي إلى جسرٍ بين الأزمات. بذلك يكون العالم أمام مرآة.
لكن ذلك الجسر متهالك. فبينما يناقش القادة في نيويورك مستقبل المرأة في السلام، تواجه نساء دارفور وصنعاء وكييف و غيرهم مصائرهن دون حماية.
وبينما تحتفل المدن في نيروبي بيوم الموئل العالمي، تتكدّس أحياء الصفيح في الأطراف من دون كهرباء أو ماء.
وفي الوقت الذي تُعرض فيه الابتكارات في أوساكا تحت شعار “الأمل”، يعيش الملايين من اللاجئين بلا مأوى ولا مستقبل.
ومع ذلك، تبقى الأمم المتحدة، رغم كل عجزها، المنبر الوحيد الذي ما زال يجمع العالم على طاولةٍ واحدة. وفي القاعة الكبرى، يرتفع صوت الأمين العام قائلا:” لسنا بحاجة الى قرارات جديدة، بقدر حاجتنا الى حاجتنا إلى إرادة جديدة.”

وفي عبارة تختصر المشهد كله: نحن في عالم يغرق في التناقض، وأمم ما تزال تبحث عن نفسها في مرآة الزُرقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى