الإذاعات المحلية في اليمن: منبر أم دكان؟ دعوة لتصحيح المسار الإعلامي

✍️ بقلم/ عبده بغيل –
11 اكتوبر 2025
لقد أصبح المشهد الإذاعي المحلي في اليمن، وتحديداً في صنعاء، يثير القلق ويستدعي وقفة نقدية جادة. فما كان يُفترض أن يكون منبراً للتوعية والتفاعل المجتمعي، تحول، وبأسف بالغ، إلى ما يمكن وصفه بـ “دكاكين إعلامية”، حيث يطغى الارتجال والرداءة على الرسالة. إن الاستماع إلى هذه المحطات بات يمثل عبئاً مُرهقاً للغاية على المستمع، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ما الهدف الحقيقي من استمرار هذه الإذاعات؟
سيادة الإعلان على المضمون
الرصد اليومي لساعات البث يكشف عن هيمنة شبه مطلقة للإعلانات التجارية. لقد أصبحت الإذاعة وسيلة لجني الأرباح الإعلانية، متخلية عن دورها الأساسي كأداة للتنمية والتوعية. فمنذ الصباح الباكر وحتى آخر الليل، تتوالى الإعلانات بفواصل تكاد لا تترك مجالاً لمحتوى ذي قيمة. هذه المعادلة المقلوبة، حيث يتقدم التمويل على المضمون، أفرغت البرامج من أي توعية حقيقية أو محتوى هادف يمكن أن يثري المستمع.
أزمة الجودة المهنية والتقنية
إن الانحدار لا يقتصر على المضمون فحسب، بل يمتد ليطال الجودة المهنية والتقنية على حد سواء. نعاني من غياب واضح للكفاءات؛ فلا نجد مذيعين ومذيعات على مستوى المسؤولية، ولا مخرجين قادرين على هندسة العمل الإذاعي بشكل احترافي. أضف إلى ذلك جودة الصوت المتدنية، التي توحي بأن البث يتم فعلياً من مواقع غير مهيأة، مما يسيء إلى صورة الإعلام الوطني ككل.
أين هي البرامج الجماهيرية؟ وأين هو التفاعل الحقيقي؟ يبدو أن العلاقة بين الإذاعات والمستمعين قد قُطعت، وحل محلها محتوى أحادي ممل يبتعد عن نبض الشارع اليمني.
التناقض وغياب الهوية في البرامج الصباحية
البرامج الصباحية، التي يفترض أن تكون مصدر طاقة إيجابية، أصبحت مثالاً على التخبط وغياب الهوية البرامجية. حيث يتم التناوب العشوائي وغير المدروس بين البرامج مما يسبب إرباكاً سمعياً ويؤدي إلى شعور بـ “الصداع”.
ولعل الأكثر إثارة للاستغراب هو استيراد قصص نجاح من خارج السياق المجتمعي. فبدلاً من تقديم نماذج ملهمة من اليمن أو من العالم العربي والإسلامي، نجد برامج تستعرض قصص نجاح لشخصيات غربية متجاهلة الثراء الهائل في قصص النجاح اليمنية والعربية التي هي أولى بالعرض والاحتفاء.
البرامج المعلبة وخطر السطحية
حتى البرامج المتخصصة، كبرامج الصحة، لم تسلم من هذا التدهور. إذ تُقدم محتويات أشبه بـ “برامج معلبة” دون اتصال حقيقي بمختصين مؤهلين. ويصبح علاج المشكلات الصحية المطروحة مجرد “اقتراح”، مع عوائق تحول دون الاتصال الجماهيري الفعال، برامج عبارة عن “كلفته” . هذا المزيج من السطحية وغياب التفاعل مما يزيد من مستويات “القرحة والتوتر” لدى المستمع بدلاً من تقديم الإفادة والترفيه.
دعوة للتصويب والمساءلة
إن ترك “الحبل على الغارب” لم يعد خياراً مقبولاً. إن هذه الإذاعات تستهلك موجات إعلامية وموارد كان يمكن توظيفها بشكل أفضل. لذلك، من الضروري والملح:
إعادة تقييم الإذاعات المحلية اليمنية في صنعاء بشكل شامل على أسس مهنية وأخلاقية.
تصويب مسارها ليعود المضمون التوعوي والتفاعلي هو الأولوية المطلقة.
تفعيل دور الرقابة لضمان جودة الأداء والمحتوى.
ما لم يحدث هذا التصحيح الجذري، فإن المطلب سيبقى قائماً بـ “إقفال دكاكين الإذاعات المحلية وبرامج الكلفته” لإنقاذ الفضاء الإعلامي من هذا التدهور المُهين لمهنة الإعلام.