إيران بين الدبلوماسية المزعومة والفوضى المصنّعة… مشروع اضطراب عابر للحدود

 

نيويورك – زينة بلقاسم – ألأمم المتحدة

في الوقت الذي تنهمك فيه دول المنطقة ببناء مستقبلها على أسس التنمية والابتكار، تواصل طهران إدارة مشروعٍ من طرازٍ آخر: تصدير الاضطراب وخلط الأوراق السياسية والأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط، عبر أدواتٍ ميليشياوية وإعلامية واقتصادية تُعيد رسم خريطة الفوضى بدل الاستقرار. من بغداد إلى صنعاء، ومن بيروت إلى غزة، تتقاطع خيوط السياسة الإيرانية بخيوط التوتر، في مشهدٍ يعكس إصرار النظام على صناعة أزمة دائمة تُبقيه لاعبًا لا يمكن تجاوزه، ولو كان ثمن ذلك خراب الجوار.

وفيما يمكن وصفه بديبلوماسية الشك والابتزاز، تبدو تصريحات طهران الأخيرة نموذجًا لتلك الازدواجية التي تتغذى على التوتر. فبينما يتحدث متحدث الخارجية الإيرانية عن “احتمال تعرض بلاده لهجوم أميركي”، يواصل النظام استخدام هذه اللهجة لتبرير تحركاتٍ عسكرية واستفزازات بحرية تُهدّد الملاحة في باب المندب والخليج العربي. إنها سياسة “الضحية-الجلاد” التي أتقنها النظام منذ عقود: عن طريق إثارة المخاوف الإقليمية للتغطية على إخفاقاته الداخلية والعزلة الدولية التي تزداد عمقًا يومًا بعد يوم.
في خلفية المشهد، يعمل “الحرس الثوري”، بشكل يبدو وصفه الدقيق ب ” ميليشيا بدل الدولة “، على توسيع نفوذه الإقليمي، مستخدمًا جيوشًا موازية في لبنان، واليمن، وسوريا، والعراق. سياساته ليست دفاعية كما تزعم طهران، بل هندسة ممنهجة لخلخلة مفهوم السيادة في المنطقة، وتحويل العواصم العربية إلى منصّات ضغط تفاوضي تخدم مشروع إيران المعروف بمشروع ” الولي الفقيه”. فأصبح سلاح الميليشيا هو اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام الإيراني حين يتعامل مع جيرانه، متجاهلًا أن التنمية والأمن لا يُبنيان على أنقاض الآخرين.
أصبح الاقتصاد الإيراني بالمعنى التام للكلمة ” اقتصاد حرب وسلاحه الطاقة”. فمن العقوبات إلى انهيار العملة، يعيش الاقتصاد الإيراني تحت وطأة عزلةٍ صنعها بنفسه، لكنه يُحاول تصدير أزمته هذه للخارج عبر استخدام النفط والممرات البحرية كورقة ضغط. فعمليات تهريب النفط، والتدخل في الأسواق السوداء، وزعزعة أمن الطاقة العالمي، ليست سوى أدوات لتمويل ماكينة الحرب والدعاية.
بهذا، تتحول إيران من دولة نفطية إلى دولة ابتزازية، تُقايض العالم بالاستقرار الإقليمي مقابل الصمت على مشروعها النووي والصاروخي.
وبين العزلة والتهديد تكتسي صبغة الاستراتيجية الإيرانية بمفهوم ” اللاحل”، والمفارقة أن طهران، وهي تتحدث عن “الاستعداد للمفاوضات”، تزرع في الوقت نفسه ألغامًا تمنع أي تسوية. اذ ان تصريحات مسؤوليها عن “فشل الغرب” أو “التحضّر لمواجهة بحرية” تكشف أن النظام يعيش على حافة الصراع المفتعل، لأن السلام يُفقده المبرر الذي يقوم عليه. وأصبح واضحا بأن لا مكان في أجندة طهران لسلام حقيقي؛ فكل هدنة مؤقتة هي محطة لإعادة التموضع وإطلاق موجة جديدة من التصعيد.
في المقابل، المستقبل الذي لا تراه إيران او بالأصح تتعامى عن رؤيته، هو بأن عواصم المنطقة أصبحت تتحرك في مسارٍ مختلف تمامًا: بين عواصم تركز على بناء اقتصاد المعرفة، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، الى جانب رفع كفاءة الإنسان قبل السلاح. تزرع عواصم أخرى مستشفيات ومختبرات، بينما تزرع إيران قواعد وصواريخ. وبينما تنفتح السعودية والإمارات ومصر على العالم برؤى تنموية متقدمة، تغلق طهران على نفسها بأيديولوجيا كاذبة ومخادعة للعالم وحتى لنفسها، تُقصي الداخل قبل الخارج.
في الوقت الذي تتغير فيه المنطقة، تُصرّ إيران على اللا ارادة لأي تقدم والمواصلة في سياسة الغوص في الماضي، مع حبس نفسها في خطاب “المؤامرة” والاستهداف”، لتبرّر فشلها في بناء نموذجٍ يُقاس به التقدّم.
الخلاصة، انه في زمنٍ تسعى فيه الشعوب إلى الطب المتقدّم والمدن الذكية والطاقة النظيفة، ما تزال إيران تراهن على البارود بدل الابتكار وعلى التحريض بدل الحوار، ومن لا يتغير مع التاريخ، سيتحول عاجلًا أو آجلًا إلى هوامشٍ في كتابٍ يكتبه الآخرون. ولا تعتبر هذه مسألة سياسة فقط، بل مسألة وعي. وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو المستقبل، تواصل إيران محاولاتها لجرّ المنطقة إلى الخلف. وفي النهاية، من يصنع الفوضى لا يمكنه أن يدّعي السعي إلى السلام.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى