البركاني والقاضي: صراع المتسولين يكشف زيف الشرعية اليمنية

 

فارع المصنف = نيويورك 

في زمن تتكدس فيه المآسي على الشعب اليمني، حيث يئن تحت وطأة الجوع والدمار، ينشغل من يُفترض أنهم ممثلوه بمعارك تافهة تُدار عبر شاشات الهواتف ومجموعات “واتساب”. على مسرح هذه المهزلة، يتصارع سلطان البركاني، رئيس مجلس النواب المنفي، مع شوقي القاضي، عضو المجلس المنتمي لحزب الإصلاح، في مشهد يُجسد الانحطاط الذي بلغته الشرعية اليمنية المزعومة. بدأت القصة عندما أقدم نائب الرئيس، محسن باصرة، على طرد القاضي من جروب “واتساب” الخاص بالنواب، لتنكشف بعدها خيوط فضيحة تُسلط الضوء على تحول هؤلاء من نواب شعب إلى متسولي هبات مشبوهة، تُدار تحت مظلة ما يُسمى “اللجنة الخاصة“.

من صنعاء إلى المنفى: سقوط الشرعية القانونية والأخلاقية
لم يعد مجلس النواب اليمني ذلك الهيكل التشريعي الذي اختاره الشعب ليحمل صوته ويصون مصالحه. فمنذ أن هجر أعضاؤه صنعاء، العاصمة السياسية، واستقروا في عواصم المنفى كالرياض والقاهرة، تحولوا إلى ظلال باهتة، تفتقر قراراتهم إلى أي وزن قانوني أو معنوي. الدستور اليمني يشترط أن تُصدر قرارات المجلس من صنعاء لتكون نافذة، وهي مدن باتت بعيدة المنال عن هؤلاء النواب. بل إن اللائحة الداخلية للمجلس، بموجب القانون رقم 1 لسنة 2006م، تنص صراحةً على أن “مقر مجلس النواب هو العاصمة صنعاء، ولا يجوز للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة إلا لظروف قاهرة يستحيل معها انعقاد المجلس داخل العاصمة، بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية أو اقتراح من هيئة رئاسة المجلس وموافقة أغلبية أعضائه”. لكن البركاني ورفاقه لم يُقدموا دليلاً على وجود هذه الظروف القاهرة، ولا موافقة أغلبية تبرر هروبهم، مما يجعل جلساتهم وقراراتهم في المنفى باطلة قانونياً، ويُعزز اتهاماتهم بالتفريط بالسيادة الوطنية.

بدلاً من السعي لاستعادة دورهم الوطني، اختاروا البقاء في هذا العبث، يديرون شؤون البلاد عبر رسائل نصية، ويتلهون بصراعات داخلية على فتات الهبات التي تُمنح لهم كجزء من صفقات مريبة مع قوى خارجية. هذا التحول ليس مجرد انهيار للمؤسسة التشريعية، بل دليل على انحراف خطير جعل من المجلس واجهة لتبرير الفساد والخضوع.

هبات اللجنة الخاصة: الرشوة التي تُغذي الصراع
في صلب هذا النزاع، تبرز هبات اللجنة الخاصة كمحرك رئيسي للخلاف بين البركاني والقاضي، وكدليل ساطع على انهيار كرامة المجلس. هذه الأموال، التي تُوزع تحت ذرائع واهية، ليست سوى رشاوى تهدف إلى إبقاء النواب في دائرة التبعية للخارج، بعيدين عن معاناة شعبهم. البركاني، الذي يترأس هذا الكيان المنهار، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع القاضي، الذي لم يتردد في توجيه اتهامات لزملائه بالفساد والتلاعب. لكن الحقيقة المرة أن كلاهما شريك في هذه اللعبة القذرة؛ فالقاضي يُهدد بكشف المستور، بينما يرد البركاني باتهامات مضادة، تارةً يزعم أن القاضي يبتز السعودية للحصول على المزيد من المال، وتارةً يُدافع عن نفسه بحجج لا تُقنع أحداً.

ما يزيد المشهد قبحاً أن هذا الصراع لا ينبع من مبادئ أو قضايا وطنية، بل يدور حول اقتسام الهبات. هذه الأموال، التي تُقدم تحت ستار اللجنة الخاصة، تُمثل خيانة واضحة للوطن، إذ يُحظر الدستور اليمني قبول الإعانات من جهات أجنبية لما في ذلك من تهديد للسيادة. لكن البركاني والقاضي وغيرهما لم يكتفوا بالتسول، بل أصبحوا أدوات لتمرير أجندات خارجية، تاركين الشعب اليمني يواجه الموت والتشرد وحيداً.

حكومة واتساب”: رمز العبث والسقوط
طرد القاضي من جروب “واتساب” لم يكن مجرد تفصيل عابر، بل رمز للسقوط الأخلاقي والسياسي لهذا المجلس. وصف القاضي إدارة البركاني وباصرة بـ”حكومة واتساب”، في تعبير دقيق يُبرز فقدان هؤلاء لأي سلطة حقيقية، حيث تحولوا إلى مجرد أشخاص يتبادلون الاتهامات والتبريرات عبر وسائل التواصل. البركاني، بدلاً من مواجهة هذه الانتقادات بحجج قانونية أو وطنية، اكتفى بتوجيه اتهامات للقاضي بمحاولة إثارة الفتنة ضد الداعمين الخارجيين، دون أن يُخفي حقيقة أن المجلس بأكمله أصبح واجهة لتغطية الفساد والارتهان للخارج. هذا المشهد الهزلي يكشف عمق الأزمة: نواب يتشاجرون على هبات بينما يتضور الشعب جوعاً، ويُديرون الدولة برسالة نصية بينما تُحاصر البلاد وتُدمر.

صرخة الشعب: محاسبة الخونة
أمام هذا العبث، يقف الشعب اليمني شاهدًا على فضيحة تُضاف إلى سجل آلامه. البركاني والقاضي، ومعهما كل من تلقى هبات اللجنة الخاصة، لم يعودوا مجرد فاسدين، بل خونة يستحقون المحاسبة. هؤلاء، الذين كانوا يوماً صوت الشعب، تحولوا إلى أدوات لقوى خارجية، يتقاتلون على المال بينما تُسفك دماء اليمنيين وتُهدم مدنهم. قبولهم لهذه الهبات ليس فقط مخالفة دستورية، بل جريمة ضد الوطن تستوجب عقوبة صارمة.

نرفع اليوم، باسم الشعب اليمني، مطلباً عاجلاً بمحاكمة كل من تورط في هذه المهزلة. يجب أن يُحاسب البركاني على قيادته لهذا المجلس المنهار، وأن يُسأل القاضي عن صمته الطويل قبل أن ينتفض على زملائه، وأن تُفتح ملفات هبات اللجنة الخاصة لتكشف الأسماء والأرقام. الشعب لن يقبل أن يُدار مصيره عبر رسائل نصية، ولن يتسامح مع استمرار هذا العبث الذي يُهين كرامته ويُذل سيادته.

الخاتمة: هل تُشرق اليمن من جديد؟
صراع البركاني والقاضي ليس مجرد فضيحة عابرة، بل جرس إنذار يُعلن انهيار الشرعية المزيفة التي استندت إلى دعم خارجي وخيانة داخلية. لكنه قد يكون أيضاً (شرارة) لصحوة شعبية تُعيد لليمن عزته. الشعب الذي صمد أمام الحروب والمؤامرات قادر على محاسبة هؤلاء المتسولين واستعادة صوته. فهل ستكون هذه نهاية مجلس النواب المنهار، أم بداية ثورة تُطهر اليمن من الفاسدين؟ الإجابة بيد الشعب، وهو وحده من يملك قلم كتابة الفصل الأخير في هذه المأساة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى