قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين: اختبار ضغط على التعددية ودور الأمم المتحدة

بقلم: أحمد فتحي
نيويورك — نادراً ما تتصدر منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) عناوين الصحف في الغرب، لكن ربما حان الوقت لتكون كذلك. تأسست المنظمة عام 2001 كمنتدى متواضع لتخفيف التوترات الحدودية وبناء الثقة بين الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى.
اليوم، أصبحت المنظمة أكبر تجمع إقليمي في العالم من حيث عدد السكان. أعضاؤها يشملون الهند وباكستان وإيران، بينما تمتد شراكات الحوار من مصر إلى الخليج العربي. ما بدأ كنادٍ أمني إقليمي تحوّل إلى منصة تسعى للتأثير في التجارة العالمية والطاقة وحتى قواعد الحوكمة الرقمية.
هذا الأسبوع، تستضيف الصين القمة السنوية للمنظمة في تيانجين، والقائمة تكشف الكثير. عشرون رئيس دولة يشاركون، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. والأكثر لفتاً هو حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مما ارتقى بالاجتماع من ساحة إقليمية إلى منصة عالمية — اختبار حقيقي لما إذا كانت التعددية لا تزال قادرة على الصمود في عالم منقسم.
لماذا تهم منظمة شنغهاي الآن؟
لسنوات، نظر محللون غربيون إلى المنظمة باعتبارها “نادياً للخطابات” — الكثير من الكلمات والقليل من الأفعال. لكن هذا الرأي يبدو متقادماً الآن. فالمنظمة تمثل ما يقارب نصف سكان العالم، وتضم بعض أسرع الاقتصادات نمواً وأكبر منتجي الطاقة. والأهم أنها تتيح للقوى غير الغربية منصة لتنسيق استراتيجياتها وبسط نفوذها بعيداً عن الولايات المتحدة.
أ
جندتها توسعت لتشمل ما يتجاوز مكافحة الإرهاب، إذ تناقش اليوم الأمن الغذائي، ممرات الطاقة، السيادة الرقمية، والمشروعات الكبرى للبنية التحتية التي قد تعيد رسم طرق التجارة عبر أوراسيا. وعندما يجتمع قادة يمثلون هذا العدد الهائل من السكان والموارد، فإن الأمر يتجاوز الرمزية، ليصبح محاولة لرسم رؤية بديلة للنظام العالمي.
الولايات المتحدة خارج الصورة
وكالعادة، الغائب الأبرز هو الولايات المتحدة. واشنطن لم تكن يوماً عضواً في المنظمة وغالباً ما نظرت إليها بعين الريبة. وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، تحولت الريبة إلى مواجهة. بالنسبة للعديد من الاستراتيجيين الأميركيين، تبدو المنظمة كأنها نقيض لحلف الناتو — ساحة ينسق فيها خصوم واشنطن استراتيجياتهم دون تدخل أميركي.
كما كتبت في كتابي “أميركا أولاً، العالم منقسم: تأثير ترامب 2.0″، فإن “ترامب لا يسعى لإعادة تشكيل المؤسسات متعددة الأطراف، بل يسعى لتهميشها واستبدالها بصفقات ثنائية تخدم المصلحة الأميركية الفورية.” هذه الفلسفة لا تترك مجالاً للتعاون مع تكتل يضم الصين وروسيا وإيران.
وبدلاً من الانخراط، اعتمدت واشنطن سياسة الضغط: تعريفات جمركية على الصين والهند، عقوبات على روسيا وإيران، وتشديد اللهجة تجاه كوريا الشمالية. لكن لذلك عواقب. كما حذرت في الكتاب: “بابتعاد الولايات المتحدة عن المنصات متعددة الأطراف، فإنها تخلق فراغاً سيملؤه الآخرون، ويعاد من خلاله صياغة قواعد اللعبة من دون موافقة واشنطن.” وهذا الفراغ تُسارع كل من بكين وموسكو ونيودلهي إلى ملئه.

الأمم المتحدة تمشي على خط رفيع
لهذا، فإن حضور أنطونيو غوتيريش في تيانجين بالغ الأهمية. مشاركته لم تكن روتينية بل مقصودة. ففي وقت يشهد فيه مجلس الأمن شللاً بسبب الفيتو والانقسامات، يرسل غوتيريش رسالة بأن الأمم المتحدة لا تستطيع تجاهل مراكز القوى الصاعدة.
ومن خلال ظهوره هناك، يذكّر العالم بأن الأمم المتحدة يفترض أن تكون جامعة، لا مجرد أداة غربية. لكن خطوته ليست خالية من المخاطر. فالبعض قد يرى أن مشاركته تمنح شرعية لنظام بديل يهمش الأمم المتحدة نفسها. والسؤال: هل يستطيع غوتيريش استغلال هذه المنصة لربط المنظمات الإقليمية بالأمم المتحدة، أم سيغدو ضيفاً في بيت غيره؟
إرهاق التعددية
الحقيقة الإنسانية هي أن التعددية لم تمت لكنها متعبة. إنها مثقلة بالفيتوهات والوعود المنكوثة وانعدام الثقة. القادة يبحثون عن أماكن بديلة للحوار والعمل، حتى لو كانت غير مكتملة. لهذا تكسب منظمة شنغهاي زخماً متزايداً.
في نيويورك، داخل الأمم المتحدة، تتكرر النقاشات نفسها بلا نهاية. أما في تيانجين، فإن القادة هذا الأسبوع يكتبون نصاً مختلفاً — نصاً لا تكون فيه الولايات المتحدة هي المركز الافتراضي، ويُعاد فيه تعريف “النظام القائم على القواعد” بأصوات قادمة من خارج واشنطن. بالنسبة لنصف سكان العالم، فإن هذا التحول ليس جذاباً فحسب، بل طال انتظاره.
اختبار للمستقبل
قمة شنغهاي ليست مجرد اجتماع؛ إنها اختبار ضغط لمدى قدرة التعددية على التكيف مع عالم تتحول فيه موازين القوى شرقاً، ولم تعد الولايات المتحدة في مركزه. إذا تمكنت الأمم المتحدة من إيجاد مكان لها في هذه الفضاءات الناشئة، فقد تظل جسراً عالمياً. أما إذا فشلت، فقد ينظر المؤرخون يوماً إلى مثل هذه القمم باعتبارها نقطة التحول التي بدأ فيها النظام العالمي يميل بشكل حاسم بعيداً عن نيويورك.
ومع فرش الصين للسجادة الحمراء أمام عشرين زعيماً عالمياً، تبعث منظمة شنغهاي برسالة واضحة: مستقبل التعددية لن يُكتب في عاصمة واحدة فقط.



