عمر طاهر .. ياريتني كنت قابلته

 

بقلم / الدكتورة نيرمين

ليست كل اللقاءات سواء، فهناك لقاءات عابرة تُنسى، وأخرى تتحوّل إلى علامات مضيئة في العمر، ولقاؤنا بالكاتب والشاعر المصري عمر طاهر في العاصمة الأمريكية واشنطن، بدعوة من الدكتورة نرمين صبري، المستشار الثقافي والتعليمي بالسفارة المصرية، كان واحدًا من تلك اللحظات النادرة التي توقظ فيك شغف الكلمة وتعيد تعريف معنى الثقافة.
في ساعة واحدة فقط، كنا أمام عقل يلتقط التفاصيل العابرة ليحوّلها إلى معانٍ كبرى، وأمام روحٍ تعرف كيف تمزج السخرية بالحكمة، فيجتمع الضحك العفوي بالتأمل العميق، وتدرك أن الكتابة عنده ليست مهنة، بل قدر يُعاش.

د/ عمر طاهر
د / عمرطاهر

الصدفة التي تصنع المعنى

يؤمن عمر طاهر أن الصدفة ليست حدثًا عابرًا، بل لحظة تحمل في طياتها قدَرًا خفيًا، ومن هنا وُلدت قصصه، وبهذا المعنى شُيّدت كتاباته، ضحكة صغيرة تتحوّل إلى درسٍ، وموقف يومي يصبح فلسفة للحياة، فهو كاتب يرى أن أبسط الحكايات قادرة أن تكشف أعمق الحقائق.

قال خلال اللقاء ببساطة آسرة: “أنا أعيش في مصر، والمصريون طبيعتهم الغالبة هي السخرية الممزوجة بالفلسفة.”

في هذه الجملة يتلخص مشروعه الإبداعي كله، لم يكن غريبًا أن يعلن إعجابه بـ صلاح جاهين، وخيري شلبي، وصنع الله إبراهيم، ونجيب محفوظ، وأن يتأثر بموسيقى بليغ حمدي وزياد الرحباني؛ فهو وريث لتلك المدرسة التي ترى في السخرية سلاحًا، وفي الفلسفة ملاذًا، وفي الكلمة حياة كاملة.

وعن بديل الكتابة في حياته، أجاب مبتسمًا:

“كنت أتمنى أن أعيش في سوهاج وأمارس الفلاحة.”

جملة قصيرة، لكنها تكشف عن توقٍ دفين إلى الأصل والجذور، وإلى حياة نقية لا تعرف الأقنعة، كأنما أراد أن يقول إن الزرع في الأرض لا يختلف عن الزرع في الوعي، وكلاهما يحتاج إلى صدق وصبر.

مستقبل الثقافة

لم يكن حديثه عن الثقافة تنظيرًا فضفاضًا، بل خطة واضحة المعالم، لخصها في أربع ركائز كبرى:
1. معرض القاهرة الدولي للكتاب يقام مرتين سنويًا (شتاءً وصيفًا)، ويمتد إلى ست محافظات أخرى.
2. نواب لوزير الثقافة في كل محافظة، يرفعون مقترحات عملية واحتياجات مجتمعاتهم مع آليات التمويل.
3. استوديو ثقافي دائم يبث على مدار الساعة الفعاليات الثقافية والفنية في كل أنحاء الجمهورية.
4. مناقشة جادة للملكية الفكرية، باعتبارها الضمانة الحقيقية لحماية الإبداع وبناء نهضة ثقافية أصيلة.

أثر الكبار في وجدانه

استحضر أسماء وزيري الثقافة ثروت عكاشة وفاروق حسني، في إشارة واضحة إلى تقديره لعصور كان فيها للثقافة حضور مؤثر، ورغبته في أن تستعيد مصر ذلك البريق المفقود.

مع عمر طاهر، تدرك أن الكتابة ليست ورقًا وحبرًا، بل حياة تُعاش ومصير يُكتب.
هو يذكرك أن السخرية ليست استخفافًا، بل حكمة مقنّعة، وأن الفلسفة ليست ترفًا، بل محاولة لانتشال الروح من عبث الواقع.
في أمسية بدت عابرة، وضع أمامنا خريطة جديدة للثقافة المصرية: كيف يمكن أن تعود حيّة، نابضة، قادرة على أن تُغيّر الوعي.

وأنا أستعيد تفاصيل ذلك اللقاء، لا أملك إلا أن أقول:
ياريتني كنت قابلته من زمان، فلقاء كهذا لا يمر مرور الكرام، بل يفتح بابًا جديدًا لرؤية أعمق، ويترك في القلب قناعة واحدة: أن الثقافة هي آخر ما تبقى لنا من إنسانيتنا، وآخر ما يستحق أن نتمسّك به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى