الأحمال الخفية

✍️ بقلم : زعفران علي المهنا
نحن لا نحمل ما نراه بأعيننا فقط، بل نحمل ما يسكن داخل صدورنا من أعباء لا تقال، وتعب لا يرى، ووجع يخفيه الناس خلف ابتسامات سريعة وجمل قصيرة مثل: “أنا بخير”.
في المجتمع، تمر بجانب عشرات الأشخاص يوميا موظف ينجز عمله بصمت، أم تحاول أن تكون جبلا لأبنائها، شاب يبتسم رغم أنه يشق طريقه وسط العثرات، ورجل مسن يخفي خوفه من الغد. كل واحد منهم يحمل حملا خفيا لا يعلمه أحد، حملا قد يكون أثقل من كل ما يرى على السطح.
الأحمال الخفية ليست دائمًا مآس كبيرة، أحيانا هي مجرد خوف صغير، شعور بالعجز، كلمة عالقة في القلب، خيبة لم يجد صاحبها كتفا تستقبلها. هي تلك التفاصيل التي يمر عليها الناس مرورا عابرا، لكنها عند صاحبها تتحول إلى جبال يتحرك بها كل يوم دون أن يسقط.
والمدهش أننا دربنا أنفسنا على إخفاء هذه الأحمال. أصبحنا “نمثل” القوة، ونتفنن في إخفاء الضعف، وكأن التعب خطيئة، وكأن الاعتراف بالانكسار لا يليق بالناس الذين يريدون أن يظهروا صامدين دائما.
لكن الحقيقة أن الأحمال الخفية تتعب، تنهك، وتأكل شيئا من أرواحنا كل يوم. ما نحتاجه ليس قوة إضافية، بل قلبا نرتاح إليه، إنسانا يشبه الضوء، يمر على أرواحنا فيخفف، لا يسأل كثيرا، ولا يحكم، فقط يستمع.
المجتمعات التي تدرك وجود الأحمال الخفية تصبح أكثر رحمة. نبدأ نعامل الآخرين بلطف أكبر، بقليل من الصبر، بكلمة ناعمة بدل الصدمة، بابتسامة تُخبر الشخص المقابل: أنا أراك، حتى لو حاولت إخفاء ألمك.
في النهاية:
لسنا مطالبين أن ننقذ العالم، لكننا مطالبون أن لا نزيد الحمل على أحد.
كل إنسان أمامك يحمل قصة لا تعرفها، وهما لم تسمع به، ومعركة يخوضها وحده.
فكن رحيما… فالقلوب المنهكة لا تحتاج قوة جديدة، بل تحتاج من يقول لها:
“أنت لست وحدك… وأنا أشعر بثقلك ولو لم تقل شيئًا.”



