ليبيا في برلين2.. خطط “واقعية” للانتخابات و”مستحيلة” لخروج المرتزقة قريبا

 

 

بعد سنة ونصف من عقد مؤتمر برلين تحت إشراف الأمم المتحدة، استضافت العاصمة الألمانية النسخة الثانية من نفس المؤتمر، الذي يضم أبرز أطراف الصراع الليبي والحكومة الانتقالية الجديدة، لتثبيت الاستقرار في البلاد.

شارك في المؤتمر 15 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا وفرنسا ومصر وتركيا والإمارات، بالإضافة إلى 4 منظمات هي الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.

وبحسب البيان الختامي للمؤتمر، اتفق المشاركون على ضرورة خروج المرتزقة الأجانب خلال الفترة القادمة لتحقيق الاستقرار الفعلي، كما أكدوا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها في 24 ديسمبر القادم.

وأشاد المشاركون في ختام المؤتمر بأن الوضع في ليبيا “تحسن كثيرا” منذ 2020. وأكدوا أن “الأعمال العدائية توقفت. ووقف إطلاق النار يسري. وإغلاق المنشآت النفطية رفع”.

لكن الشكوك تحول حول إمكانية تحقيق هذه الأهداف وخاصة أنها نفس مخرجات المؤتمر الأول، التي لم يتحقق منها شيئا.

وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال قبل بدء المؤتمر إن “الأطراف الذين تعهدوا خلال اجتماع برلين الأخير (المؤتمر السابق) سحب قواتهم لم يفوا بوعدهم” في إشارة مبطنة إلى روسيا الممثلة في برلين بنائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

خروج المرتزقة

ويعتبر مراقبون أن خروج المرتزقة الأجانب أحد أهم العوامل لتحقيق الاستقرار في ليبيا، خاصة بعد الدور الذي لعبته هذه الجماعات المسلحة في تأجيج الصراع.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، يوجد نحو 20 ألفا من المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا، من روس في مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم. بالإضافة إلى مئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة.

وأكد البيان الختامي أن “كل القوات الأجنبية والمرتزقة يجب أن ينسحبوا من ليبيا بدون تأخير”. وقالت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، في ختام اللقاء “لقد أحرزنا تقدما فيما يتعلق بالمرتزقة ونأمل في أنهم سينسحبون في الأيام المقبلة من الجانبين”.

يرى المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار، أنه بعد مخرجات مؤتمر برلين2 لم تعد قضية خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا قابلة للنقاش والتفاوض، وتوقع أن تلتزم الدول بهذ القرار.

وأرجع شوبار في تصريحات لموقع “الحرة” تفاؤله هذه المرة بسبب الحشد الدولي والاتفاق على هذه القضية، خاصة بعد تزايد التهديدات الأمنية التي تشكلها هذه المرتزقة على دول المنطقة ودول حوض البحر المتوسط.

وأشار إلى الجهد الدبلوماسي والسياسي الأميركي الذي يؤكد مساعي واشنطن لخروج المرتزقة من ليبيا وتحقيق الاستقرار، مؤكدا أن الدور الأميركي على مدار 6 أشهر ساعد في صمود وقف إطلاق النار.

وطالب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأربعاء، بانسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، في تصريح أدلى به قبيل مؤتمر في برلين مخصص لتثبيت الاستقرار في هذا البلد الذي يشهد نزاعا منذ عشر سنوات.

وقال بلينكن، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألماني هايكو ماس، إنه يجب تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا (الموقع في 23 أكتوبر)، وعلى رأسها إخراج القوات الأجنبية، مضيفا “نتقاسم رؤية لليبيا موحدة وذات سيادة”، معتبرا أن “هذا مهم للأمن الإقليمي”.

أياديهم على الزناد

وذكر مسؤولون في  وزارة الخارجية الأميركية يرافقون بلينكن، في جولته الأوروبية، الأربعاء، أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ، أو تفاهما بين روسيا وتركيا على بدء مناقشة انسحاب “مجموعة” مكونة من 300 “مقاتل سوري من كلا الجانبين من ليبيا”.

وأضاف المسؤولون الذين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم إن “أن عملية الانسحاب ليست جاهزة بعد، لكن الأطراف بدأت مناقشات أولية”.

وكشفوا عن وجود شكوك لدى الجانبين، وشدد مسؤول كبير في وزارة الخارجية على حقيقة أن جميع الأطراف متفقة الآن على أن “المقاتلين الأجانب بحاجة إلى المغادرة الآن، … وهذا أمر لم يكن متوفراً من قبل”.

لكن المحلل السياسي، السنوسي إسماعيل، استبعد إمكانية خروج أي من المرتزقة الأجانب في الشرق أو الغرب في الوقت القريب، حتى يتم انتخاب رئيس جديد ومجلس نواب جديد يمتلك شرعية سياسية يستطيع توحيد المؤسسات ويثق فيه الشعب.

وأضاف إسماعيل في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أنه لا يزال كل طرف يتشكك في نوايا الطرف الآخر، مؤكدا أن الجماعات المسلحة في الغرب لا تثق في حفتر وتضع يداها على الزناد، كما أنها تتمسك بالاتفاقيات العسكرية مع تركيا.

كان البيان الختامي أوضح أن تركيا، إحدى الدول المتواجدة عسكريا في ليبيا، عبرت عن “تحفظ” حول هذا الموضوع لكن بدون توضيحات أخرى.

ويعتبر التواجد العسكري التركي في ليبيا من أكثر الأمور المثيرة للجدل في البلاد خلال الأسابيع الماضية، حيث يعتبر المؤيدين لأنقرة في الغرب أن التواجد التركي بناء على اتفاقيات مع الحكومة السابقة وليس كمرتزقة كما هو الحال مع المرتزقة الروس والسوريين في الشرق.

وفي نهاية أبريل الماضي، تعرضت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، لهجوم شديد ومطالبات بالاستقالة، بسبب دعواتها لخروج القوات التركية من البلاد.  كما اقتحمت جماعة مسلحة في الغرب فندق كورنثيا بالعاصمة طرابلس، الذي يجتمع فيه المجلس الرئاسي الجديد، احتجاجا على هذه التصريحات.

ويعتقد شوبار أن تركيا ستلتزم بهذا القرار وأنه ليس لديها أي مجال للمناورة أو التأخير لسحب قواتها أو المرتزقة السوريين الموالين لها، بسبب علاقتها بالولايات المتحدة وأوروبا.

الانتخابات

أما التحدي الثاني الذي أكد عليه البيان الختامي للمؤتمر هو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد وهو 24 ديسمبر القادم.

وقد أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة خلال هذا المؤتمر “التزامه” بتنظيم هذه الانتخابات. لكن المنقوش قالت إن هناك تحديات أمنية تهدد إجراء هذه الانتخابات.

قبل المؤتمر، سادت شكوك حول الإرادة الفعلية للسلطة الحالية بتنظيم الانتخابات، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية. حتى الآن لم تبدأ الحكومة بالاستعداد للانتخابات.

وبحسب رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح، فإن إجراء الانتخابات يحتاج إلى قوانين، كما أن المفوضية تحتاج إلى 4 أشهر للتحضير لأي عملية انتخابية، و3 أشهر لتنفيذ قانون الانتخابات العامة.

واستعبد شوبار إمكانية تأجيل الانتخابات عن موعدها، لكنه يؤكد أنه لا يمكن إجراء انتخابات حرة نزيهة يعبر فيها الليبيون عن آرائهم في ظل انتشار المرتزقة والجماعات المسلحة في كل مكان.

وأضاف أن الحكومة الانتقالية ليس لديها السلطة لتاجيل الانتخابات ورسم خارطة طريق جديدة بدون الرجوع إلى الملتقى الحوار الوطني والأمم المتحدة. مشيرا إلى أن المرحلة القادمة ستشهد خطوات عملية لبدء الاستعداد للانتخابات.

كما أكد إسماعيل أن الحكومة الحالية مهمتها هي إجراء الانتخابات وأن مجلس النواب يعرق هذه المهمة بعرقلة الميزانية، ولفت إلى أن بعد 24 ديسمبر ستنتهي مهلة الحكومة وتتحول إلى حكومة تصريف أعمال.

وأشار إلى أنه حتى الآن لم يتفق مجلس النواب ومجلس الدولة على القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات بسبب رغبتهما في الاستمرار في السلطة.

أما عن إجراء الانتخابات في ظل انتشار الجماعات المسلحة، يقول إسماعيل إنه يمكن تحقيق ذلك إذا وفرت الأمم المتحدة ما يعرف بـ”أمن صندوق الانتخابات” عن طريق توفير مراقبين دوليين في مختلف أنحاء البلاد، ومشاركة كل الجماعات العسكرية في تأمين الانتخابات.

ووعدت الأمم المتحدة بعقد الانتخابات في ديسمبر المقبل. وأضافت “من الضروري كذلك تأمين مشاركة المرأة والشباب في الانتخابات الليبية المنتظرة”، مضيفة أن “مؤتمر برلين يثبت الالتزام الدولي بتثبيت الاستقرار في البلاد”.

وقال أحمد المسماري الناطق باسم قوات المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، “من الضروري أن تتخذ بعثة الأمم المتحدة كل الاجراءات في هذا الصدد وأن تتحمل مسؤولياتها لكي يمكن اجراء الانتخابات في الموعد المقرر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى