مغالطة الدعوة الى عصيان مدني

د. خالد الحريرات البطوش
تلوح بعض الجماعات بالدعوة الى عصيان مدني في الأردن كتعبير عنالتضامن مع أهلنا في غزة، واذا كان يمكن تفهم هذا التوجه بانه نتاج فرط الانفعال والسخط على الاعتداءات الوحشية المستمرة التي لا يتورع الاحتلالعن القيام بها يوميا دون أدنى وازع من ضمير او اخلاق، فان المتابع يحق لهالتساؤل عن المقصود بالعصيان المدني ومدى ملائمته كأداة لهذا الغرض؟
باستظهار المقصود بالعصيان المدني نجد انه ينصرف الى الوسيلة التييلجا اليها افراد من المجتمع للتعبير عن عدم التوافق مع السلطة والاحتجاجعلى اعمال الحكومة بدون استخدام العنف، ويظهر هذا السلوك في عدة اشكالمنها المظاهرات السلمية وتوزيع منشورات الاحتجاج والاضراب الكلي اوالجزئي، وقد حدد الفيلسوف الأميركي جون رولز طبيعة العصيان المدني بالفعلالسياسي الجماهيري الواعي الذي يخرق القانون دون ان يفقد طابعه السلميولكنه مع ذلك يوافق روح التشريع ويهدف الى تعديل القوانين او تغيير سياسةالحكومة، وبذلك فالعصيان المدني صيغة للعمل السياسي يلوذ به الافراد عندماتفشل وسائل الصراع السياسي الأخرى، وتنبع طبيعته السياسية ليس فقطلانه موجه ضد الأغلبية التي تستحوذ على السلطة، وانما لان المبادئ السياسيةهي التي تبرره وتدفع به الى الواجهة واهمها العدالة التي يستلهمها الدستوروتسترشد بها المؤسسات الاجتماعية عامة.
واذا رجعنا الى اشهر نماذج العصيان المدني في العصر الحديث نجدها لاتخرج في جوهرها عن المطالبة بالعدالة وتحقيق المساواة بين الافراد، مثلاالاضراب العام والمظاهرات السلمية التي اندلعت في روسيا عام 1905 كانتبدافع المطالبة بتحسين ظروف العمل وحق التنظيم النقابي وحرية التعبيرللعمال، وما دعا اليه المهاتما غاندي والتزم به كان للاحتجاج على تعسفسياسة الاستعمار البريطاني تجاه الشعب الهندي، ودعوة مارتن لوثر كنجتميزت بانها احتجاج على التمييز العنصري ضد المواطنين السود، ونلاحظ انجميع هذه الحالات وما شابهها يجمع بينها انها كانت للاحتجاج على الحكمبشأن داخلي اهدرت فيه العدالة او طغت فيه سياسة عدم المساواة، ولم يكنالشأن الخارجي او السياسة الخارجية للدولة يوما موضوعا للعصيان المدني.
وبالعودة الى حالة التضامن مع أهلنا في غزة فان الدعوة الى عصيان مدنيفي الأردن ينطوي على مغالطة سياسية وأخرى اقتصادية، فمن الناحيةالسياسية فان اعلان الحرب وابرام السلم عمل سيادي ينحصر اختصاصالقيام به في الحكومة بوصفها سلطة حكم وليس سلطة إدارة، وتقدير مدىملائمة هذا العمل يقع في تصنيف علاقة الدولة بدولة أخرى وليس في نطاقعلاقتها بأفراد شعبها وما يتصل بهذه العلاقة الداخلية من ضرورة استقامتهاعلى مبدأ العدالة والمساواة، وبذلك تغدو الدعوة الى عصيان مدني فاقدة لمبررهاالسياسي بما يتصل بقرارات الحكومة حول هذه الحرب، خصوصا انه لا يخفىعلى احد ان القيادة الأردنية تحشد حملة دبلوماسية نشطة في الشرق والغربتكشف وحشية العدوان وتداعياته على الاستقرار في المنطقة وتدعو الى وقفالحرب شعورا بواجبها الديني والأخلاقي تجاه الاهل في غزة وممارسة لدورهاالسياسي كدولة في عين العاصفة يلحق مصالحها ضررا بالغا جراء استمرارهذه الحرب، ومن الناحية الاقتصادية فالأردن ومنذ بداية الاعتداء بادر بتسييرمساعدات إنسانية منتظمة الى الاهل في غزة سواء من الغذاء او الدواء اومستلزمات الايواء بغرض التخفيف من معاناتهم ودعم صمودهم، وهذهالمساعدات يدفع بها الأردنيون عن طيب خاطر وشعورا بالمسؤولية تجاه أهلناالصامدون هناك، واذا علمنا ان الاضراب عن العمل ليوم واحد في الأردن يكلفالأردن خسائر بملايين الدنانير تلحق ضررا بالاقتصاد الأردني ولا تخدم أهلغزة، فكيف يمكن فهم جدوى العصيان المدني وتبريره، ومن المستفيد من خلطالأوراق وإرباك المشهد ؟!!!!