حكايات على حائط الذكريات
بقلم ✍️ وفاء أنور
الليل والنهار آيتان من آيات الله سبحانه؛ النهار له قصص وحكايات تختلف تمامًا عن حكايات الليل وقصصه، فلكل منهما ملامح وصفات لا تخفى علينا جميعًا، وما بين هذا وذاك تولد القصص وتتحرر العديد من الأسرار والحكايات من أغلالها التي سجنت لسنوات فوق جدار الذكريات، ليس هذا غريبًا بالطبع، لكنه يستحق منا وقفة مع النفس لتدقق في الأمر، تجوب معه وحوله، وتطأ أرضه من كل الجهات.
الليل بستائر ستره الثقيلة وغموضه العميق الجذاب يشد إليه هؤلاء الأشخاص الذين يرون في أنفسهم بعض الاختلاف بينهم وبين غيرهم، اختلاف طفيف أو كبير هذا لا يشغل بالهم، ولا يستقطب تفكيرهم، لا يعنيهم تفسير حالتهم التي يمرون بها، ففي سكون الليل وهدوئه شعور مشبع بالأمان خاصةً لهؤلاء الذين يسعون لتسطير لحظات إبداعهم الشاقة والممتعة في آن واحد، أيًا كان نوع الإبداع وأيًا كانت المسميات، حكايات ترتبط بثقافة أو فن أو علم مفيد للإنسانية جمعاء.
هذا رسام نراه هناك يركن إلى نفسه، يتحدث إليها وتحدثه، يستشيرها قبل أن يبدأ في عمله الفني الذي سيولد بعد لحظات، كي تضع له بلمستها الساحرة فوق تلك الحروف نقاط، ترشده بها وتكتب له لافتات تصوغ له حالته الفنية المملوءة بالمشاعر والانفعالات، إنه يمسك بريشته ولوحة ألوانه ليخطط ويرسم بهما حكايات يومه من واقع أو خيال، يقصد بها توثيق ما رأته عيناه من حقيقة، وما نسجه خياله من إبداع وجمال.
اقتربوا لتستمعوا معي إلى تلك الألحان الناعمة التي تسري في جوف الليل بصحبة هدوء يغطي ساعاته الطوال، فتضع فوقها لمسات مبدع أنس بليل فأخذ يتبادل معه أحاديث الذكريات، يمسك بتلك الآلة الموسيقية ويبدأ بدندنة عذبة، سريعًا ما تدفع به إلى الغناء بتأثر بالغ ورغبة في البكاء، يترجم كل ذلك بصوت رخيم بقلب محب، بشعور كبير باللوعة والاشتياق.
نحن الآن على موعد مع رحلة طويلة عبر الأعماق، فهذا الذي يجلس بمفرده وتطل من خلف زجاج نافذة حجرته لمحات من نور خافت آت من مصباح بجواره، موضوع فوق مكتبه، يخبره بين اللحظة والأخرى بأن الوقت قد حان، وبأن ما عليه الآن إلا القيام بجمع أفكاره ونظمها في عقد بديع من جمل وكلمات، ترفع بقارئها معها إلى أحد الغيمات، تخفف عنه عناء يوم صحبته فيه حالات انفعال ناتجة عن حرارة شمس لا ترحم أو تطاق.
ها هما باحثان على البعد يتشاركان بالسباحة في بحار العلم، إنهما مغموران بين أمواج متلاحقة من تجارب ودراسات؛ بحثًا وتنقيبًا عما يريدان، فلكل منهما رسالته التي ارتضاها وتمنى إهداء نجاحها لكل إنسان، بالرغم من استيلائها على أغلب سنوات العمر، وبالرغم من حرمانهما شبه التام من أبسط متع الحياة بقرب كل من الأهل والأصدقاء، لقد وهبا نفسيهما للعمل المرهق والجاد؛ إيمانًا بضرورة تحقيق قيم البذل والعطاء.
يعود الليل من جديد يلملم شتات أنفسنا، يلقي بنا بين العديد من القصص والحكايات، يعرض علينا مواقفًا مرت ويسرد علينا قصصًا عديدة دُونت حروفها على حائط الذكريات.