صراع العروش في طهران: كيف يفتك الانهيار الاقتصادي بنظام خامنئي ويشعل حرب الفصائل؟

صورة من الأرشيف: جدال عنيف بين النواب في برلمان النظام الإيراني

بقلم : حسن محمودي كاتب ومحلل إيراني

أدى الاقتصاد المنهار والأزمات الداخلية المتفاقمة إلى تآكل تدريجي لأسس سلطة علي خامنئي في إيران، مما أدى إلى تصعيد الصراعات الفصائلية داخل دوائر السلطة. وقد أدت إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة وتفعيل آلية “العودة السريعة” (Snapback)، المصممة لممارسة أقصى الضغوط على طهران، ليس فقط إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للبلاد، بل كشفت بوضوح عن الانقسامات الداخلية التي ظلت مخفية لعقود تحت السيطرة المشددة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. هذه التشققات، التي كانت محصورة في السابق بالدوائر المغلقة للسلطة، أصبحت الآن صراعات علنية في وسائل الإعلام الحكومية والمنابر العامة، مما يشير إلى تراجع قدرة النظام على الحفاظ على واجهة موحدة.

يتبادل البرلمان والقضاء ووسائل الإعلام التي تديرها الدولة اللوم علناً بشأن مسؤولية فشل الاتفاق النووي لعام 2015، وسوء الإدارة الاقتصادية لسنوات، والضغوط المتزايدة للعقوبات المتجددة. وقد اتخذت هذه النزاعات أبعاداً جديدة، خاصة بعد الإخفاقات المتتالية في السياسة الخارجية والتدهور غير المسبوق في معيشة الناس. “جبهة بايداري” (جبهة الاستدامة)، وهي أحد أشد الأجنحة المتشددة في النظام بقيادة سعيد جليلي، اتهمت الجهاز القضائي صراحة بـ”التقاعس” في التعامل مع قضايا الفساد الكبرى المرتبطة بحكومة الرئيس السابق حسن روحاني. وتطالب وسائل الإعلام التابعة لهذا الجناح، مثل “رجانيوز”، باسترداد “المكافآت الفلكية” التي يزعم أنها دفعت لدبلوماسيي حكومة روحاني خلال المفاوضات النووية؛ مكافآت، وفقاً لهم، دفعت حتى بعد اعتراف فريق المفاوضات بأن إنجازات الاتفاق النووي كانت “لا شيء تقريباً”. ويأتي ذلك في الوقت الذي لا تزال فيه التحقيقات في مئات الآلاف من الشكاوى ضد روحاني غامضة، ولا تزال قضاياه الرئيسية معلقة في الجهاز القضائي.

يواجه الرئيس الحالي للنظام، مسعود بزشكيان، الذي عينه خامنئي كشخصية توافقية لموازنة الفصائل المتنافسة، عداءً متزايداً من الفصائل المتطرفة. بينما أظهر بزشكيان ولاءه العلني للمرشد الأعلى، فإن وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري وصحيفة “كيهان” تواصل تصويره على أنه ضعيف وغير فعال. وقد أبرز محمد جعفر قائم بناه، نائب بزشكيان التنفيذي، هذا التوتر بتحذيره من أن تقويض الرئيس يرقى إلى “اللعب في أيدي العدو”. ووصف وضع النظام بأنه في “هدنة جزئية”، وحذر الفصائل المتنافسة من تصعيد النزاعات الداخلية في هذه اللحظة الهشة. لكن هذه التحذيرات لم تتمكن من تخفيف حدة هجمات وسائل الإعلام المتشددة، بما في ذلك “كيهان”. وتظهر هذه الخلافات أن حكومة بزشكيان، بدلاً من حل مشاكل البلاد، تحولت هي نفسها إلى أداة في أيدي الفصائل الطامحة للسلطة لتصفية الحسابات الداخلية.

في قلب هذا الصراع، توسع “جبهة بايداري” نفوذها تدريجياً. فقد حولت “رجانيوز”، الذراع الإعلامي لهذه الجبهة، نفسها فعلياً إلى “حكومة الظل”، وتتصدى بشدة لأي تنازلات متصورة بشأن البرنامج النووي بينما تقوض منافسيها داخل الجهاز الحكومي. وتلعب هذه الجبهة أيضاً دوراً في سياسات الخلافة. ويلاحظ المحللون أن “جبهة بايداري” تدعم سراً محمد مهدي ميرباقري، وهو رجل دين بارز، كخليفة محتمل لخامنئي، مما يشير إلى سعيها لتأمين سيطرة طويلة الأمد على اتجاه النظام. وفي البرلمان، يعمل شخصيات مثل حميد رسايي كعملاء رئيسيين لـ”بايداري”، مستخدمين الضغط التشريعي لتقييد بزشكيان وعزل الشخصيات الأكثر اعتدالاً. وفشلت محاولات خامنئي لموازنة هذه الفصائل، على سبيل المثال من خلال تمكين علي لاريجاني وبزشكيان مع تعيين علي باقري كني (حليف جليلي) سراً نائباً للاريجاني، في احتواء شهوة “بايداري” المتزايدة للنفوذ.

ولعل النتيجة الأكثر وضوحاً لهذه الديناميكيات هي التآكل الظاهر لسلطة خامنئي. فقد فشلت جهوده الأخيرة لكبح الحرب الفصائلية والحفاظ على “الوحدة” في ظل الظروف الحرجة إلى حد كبير. الهجمات المستمرة على بزشكيان والدعوات الراديكالية في البرلمان لاتخاذ إجراءات مثل الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) أو إغلاق مضيق هرمز، هي مؤشر على تزايد تجاهل أوامر المرشد الأعلى. يأتي هذا الانهيار في السيطرة المركزية في ذروة الضغوط الخارجية، والألم الاقتصادي غير المسبوق، والاستياء العام المستمر. وحتى بين صفوف الموالين للنظام، بما في ذلك أجزاء من الحرس الثوري والبسيج، يبدو أن الروح المعنوية تتراجع مع صراع القيادة لإظهار الاستقرار أو تحقيق النتائج. يصور هذا الوضع نظاماً، على الرغم من شعاراته الرنانة، يعاني عملياً من الشلل الداخلي.

في الختام، بينما زادت عقوبات “العودة السريعة” من التحديات الاقتصادية لإيران، فإن القصة الأعمق هي التفكك المتسارع للسلطة داخل الديكتاتورية الدينية. خامنئي، الذي كان قادراً في السابق على إدارة الفصائل المتنافسة من خلال منافسة مضبوطة، يواجه الآن مراكز نفوذ متعددة ومتنافسة: رئاسة بزشكيان الضعيفة، و”جبهة بايداري” الجريئة لجليلي، وجهاز قضائي محاصر بين الفصائل، ومؤسسة تجارية وأمنية محبطة بشكل متزايد. هذه المنافسة ليست حول الإصلاح أو المساءلة؛ إنها صراع من أجل البقاء والهيمنة بين النخب التي ترى الأزمة فرصة لتعزيز سلطتها. وبدون توافق في الآراء بشأن السياسة الخارجية، والاستراتيجية الاقتصادية، أو الخلافة، فإن النظام يواجه خطر الوقوع في حلقة من الشلل وعدم الاستقرار؛ تماماً في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط الدولية ويزداد المجتمع الإيراني اضطراباً. وفي خضم هذا، تزداد أهمية المظاهرة الواسعة في بروكسل في السادس من سبتمبر، كبديل ديمقراطي وحل جوهري لهذه الأزمة العميقةهذه الاحتجاجات الرمزية تحمل رسالة مفادها أن طريق الخروج من المأزق الحالي لا يكمن في صراعات السلطة الداخلية، بل في الإرادة الجماعية لشعب يتطلع إلى مستقبل ديمقراطي خالٍ من الاستبداد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى